في لحظة انكسارٍ يمر بها الإنسان، حين تُثقل عليه الحياة بأعبائها، ويصبح من الحالات الاستثنائية التي لا تحتمل التأجيل، ليأتي إصطدامها بصخور الإجراءات، وتعقيدات المعايير الرسمية التي تضعها المؤسسات المساعدة، ففي هذه اللحظة حين يغلق الأفق أمام الكثيرين، تبرز يدٌ رحيمة، قلبٌ نابض بالإنسانية، ليقدم ما لا تقدمه الأنظمة المحكومة بالمعايير والشروط، هذا الوجه الآخر الذي لا نراه كثيراً، هو التاجر البحريني الذي يقف، إلى جانب مساهمته في التنمية الاقتصادية، كملجأ إنساني للضعفاء، وملاذ لمن قيدتهم المعايير وفجرتهم الحاجة.في مملكة البحرين، حيث تتقاطع تطلعات التنمية مع عمق الروح المجتمعية، لا يمكن فصل الحركة الاقتصادية عن الضمير الإنساني الذي يسكن في قلوب من دفعوا هذه العجلة نحو الأمام، التاجر البحريني، الذي عُرف تاريخياً ببعد نظره وبُعد همّته، لم يكن يوماً مجرد رقم في معادلات النمو أو طرفاً في صفقات السوق، بل ظلّ دوماً الوجه الإنساني النبيل في معادلة الدولة، إنه اليد التي تبني واليد التي تُسعف، يعمل من الواجهة حين يتطلب الأمر ذلك، ويقف من الخلف حين تكون الحاجة إلى سواعد تُسند قبل أن تُعلن عن نفسها.خلف صروح المشاريع الكبرى والمراكز التجارية، هناك صمت نبيل لا يُقال كثيراً، لكنه حاضر في ذاكرة من مرّوا بأوقات العوز وضيق الحال، فكم من بيت أعيد ترميمه ليس ليوفّر السكن فحسب، بل ليمنح كرامة، وكم من طالب أكمل دراسته لأن هناك من آمن به حين تخلّى الجميع، لم ينتظر التاجر البحريني إطاراً قانونياً صارماً ليُمارس إنسانيته، بل كان هو القانون الأرقى: قانون الرحمة والواجب والضمير، تدخل في اللحظات التي يتقاطع فيها الضعف مع البيروقراطية، ويزرع أملاً في أرضٍ يابسة لم تطلها يد المساعدات الرسمية.ومن بين من عرفتهم عن قرب، يبرز مثال مشرف في «مبرّة الزياني»، التي حملت على عاتقها مهمات إنسانية جسيمة، واستجابت لحاجات عاجلة دون تردد أو تسويف، كانت دوماً المبادرة الأولى، واليد التي تتصل، وتستجيب، وتنجز، لم تكن المبرة وحدها، بل تمثل أنموذجاً حياً لما يمكن أن تقدمه شراكة صادقة بين قلب التاجر وعين المجتمع. أفعال لم تسعَ للشهرة، بل للمساعدة الإنسانية، ولم تلهث وراء الضوء، بل سعت لتخفيف العتمة عن حياة الآخرين.وحين نلجأ إلى الأرقام، لا تفعل سوى أن تؤكد ما هو محسوس، فقد شارك رجال الأعمال في ترميم مئات البيوت، وساهموا في تعليم آلاف الطلبة، ومدّوا يد العون إلى دول شقيقة في أوقات الأزمات، وكانوا عماداً لصناديق الإغاثة والمبادرات الكبرى، هذه الأرقام لا تحكي عن كرم مادي فقط، بل تحكي عن فلسفة عطاء وطنية تتجاوز الربح، وتنتمي إلى ضمير الوطن.ولأن العطاء في البحرين ليس طارئاً ولا استثناء، بل هو سمة راسخة في وجدان مجتمع تشكّل على يد قيادة حكيمة آمنت بأن التماسك المجتمعي لا يُبنى بالقوانين وحدها، بل بالرحمة التي تزرع في القلوب، وبالثقة التي تمنح للناس ليكونوا جزءاً من الحل لا متلقين دائمين للعطاء، فإن ما نراه من مبادرات التجار البحرينيين اليوم ليس إلا امتداداً لهذا النهج الأصيل، الذي جعل من البحرين أكثر من وطن، بل عائلة كبيرة إذا تألم فيها عضو، تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحزن.إن هذا التلاحم، وهذه الروح الإنسانية المتجذّرة، تمثل أحد أعمدة الاستقرار والازدهار، وتمنحنا يقيناً بأن الغد، كما الأمس، سيحمل من الخير ما يكفي ليبقى الوطن آمناً، والناس متضامنون، والتاجر البحريني كما عهدناه دائماً، قلباً نابضاً بالمسؤولية، ويداً لا تكتفي بالبناء، بل تمتد دائماً بالعون.* إعلامية وباحثة أكاديمية
د. سهير بنت سند المهندي
Opinion
المواقف الإنسانية والمشاركات الخيّرة للتاجر البحريني
06 أغسطس 2025