في عالم يُثقل كاهل المرأة بتوقعات لا تنتهي، يتحوّل الاهتمام بالذات من خيارٍ شخصي إلى ضرورة وجودية. فالمرأة التي تتوزع بين أدوار متعددة - أماً رؤوماً، وزوجة متفانية، وامرأة عاملة نشطة، وعضواً فاعلاً في المجتمع - غالباً ما تضع نفسها في نهاية قائمة أولوياتها، ظنًا منها أن التضحية بلا حدود هو معيار التفوق، وأن الراحة نوع من الترف.

لكن الحقيقة النفسية تُخالف هذا الاعتقاد. فقد أظهرت منظمة الصحة العالمية أن النساء هنّ الأكثر عرضةً للاكتئاب واضطرابات المزاج. وتشير أبحاث نُشرت في المجلة الأمريكية للطب النفسي إلى أن السبب لا يقتصر على الضغوط الخارجية، بل يشمل أيضاً ميل النساء الفطري إلى الكمال والتضحية وإنكار الذات، مما يتركهن منهكات نفسياً ومعرّضات للانهيار الداخلي.

وهنا يأتي السؤال المفصلي: هل اهتمام المرأة بذاتها أنانية؟

الإجابة ببساطة: لا، بل هو شجاعة في وجه عالم لا يرحم، وطوق نجاة في محيط متلاطم بالتحديات.

العناية الذاتية لا تعني الغرور أو الانسحاب من الواجبات، بل تعني استعادة التوازن بين العطاء والاستحقاق. وهي تبدأ من الداخل، حيث الجمال النفسي النابع من السلام الداخلي، والتصالح مع الذات، والاعتراف بالمشاعر، مروراً بتحرير الروح من عبء الشعور بالذنب واليأس.ثم تمتد إلى الخارج، حيث الاهتمام بحسن المظهر يصبح مرآة لليقظة الداخلية، وتجديداً للإحساس بالحيوية والثقة، لا سيما مع تقدم العمر أو تبدّل المراحل.

لكن الاهتمام بالذات لا يكتمل دون الاهتمام بالعقل؛ فالعقل مثل الجسد، يحتاج إلى صيانة وتجديد مستمرين. إن قراءة كتاب ملهم، أو تعلّم مهارة جديدة، أو الانخراط في ورشة فكرية أو دورة معرفية، لا ترفع فقط من مستوى الوعي والثقة، بل تعيد إشعال شرارة الحياة في النفس، وتمنح المرأة شعوراً بالإنجاز والاستقلالية. كل لحظة تُمنح للعقل، هي استثمار في القوة الداخلية، ومقاومة للركود الذهني الذي قد تفرضه الرتابة أو الإحباط.

كما يتطلب الاهتمام بالذات تعزيز الجانب الجسمي والروحي، كالانخراط في أنشطة تفيد الجسد، كممارسة الرياضة، وتناول التغذية المتوازنة الصحية، وممارسة الأنشطة التي تغذي الروح، مثل ممارسة الهوايات، كالكتابة، أو الرسم، أو الموسيقى، أو السفر، أو حتى المرور بتجربة لحظات صمت تأملي، وسائل بسيطة لكنها فعّالة في تقوية المناعة النفسية.

ولعلّ أهم خطوة في هذا المسار هي الاهتمام بالجانب الاجتماعي كالابتعاد عن العلاقات السامة التي تُستنزف فيها المرأة دون مقابل، واستبدالها بعلاقات اجتماعية تغمرها بالمحبة والقبول والدعم المعنوي.

وختاماً، إن اهتمام المرأة بذاتها ليس أنانية ولا نرجسية، بل هو حق إنساني، واستثمار في صحتها النفسية التي تنعكس على أسرتها ومجتمعها.

فامرأة متزنة نفسياً، تعني أسرة أكثر سعادة، ومجتمعاً أكثر ازدهاراً.

* أستاذة جامعية في علم النفس