كم «مغفل» تم استغلاله في عمليات غسل الأموال، سواء غفلته كانت حقيقة أي بالفعل لم يكن يعلم أنه مستغل، أو يعلم لكنه يتغافل لأن الإغراء قوي جداً لا يمكنه رفضه، ويعمي البصيرة وهو الربح السريع؟
تزامن نشر جريدة «الوطن» بالأمس عن خمس طرق جديدة لغسل الأموال تم فيها استغلال وسطاء لتتم عملية تدوير الأموال عن طريقهم، مع أخبار القبض على مجموعة مشاهير لتيك توك في مصر لتورطهم بعملية غسل أموال منهم أطفال!!
التقرير نشر الطرق وسنستعرض بعضها، لكنه في نفس الوقت لفت الأنظار إلى أن هناك كماً من «الكاش» في البحرين يحتاج إلى غسيل وتدوير، وهذا «الكاش» طبعاً هو ثمن «بضائع» لا يجرى تداول بيعها وشرائها عبر حسابات بنكية، فتتراكم الكميات النقدية، ويحتاج صاحبها إلى لفة طويلة لطرق ثانية وثالثة، وربما رابعة يخسر فيها نسبة من هذا الكاش لصالح تلك الأطراف، حتى تعود تلك الأموال له، وتكون قد غسلت ونظفت ودخلت البنوك بطرق مشروعة.
هذه الأطراف التي يحتاجها صاحب الكاش لابد وأن تدعي الغفلة، أو تكون فعلاً مغفلة حتى لا تسأل ما هو مصدر تلك الأموال التي كنت وسيطاً لتمريرها، مادامت نسبتي تصلني ولم أكن سوى محطة ترانزيت لها وواجهة.
اثنان من المنظفين لفتوا نظري، والمنظف هو الطرف الخارجي الذي يدخل له الكاش، ويأخذ منه نسبة، ويعيد إرساله عبر البنك لصاحب الكاش من جديد.
المنظف الأول هو عمال التوصيل «الدليفري» يستدرج هذا العامل ليقوم بوظيفة المنظف الوسيط، فترسل له أموال على شكل دفعات صغيرة على أنها قيمة توصيلات، إذ إن كثيراً ما يطلب من الزبون أن يدفع للموصل، على حسابه في البنفت، يوصل لك الغرض، ويرسل لك عبر الواتس آب رقم «الآي بان» لحسابه البنكي، أو على تليفونه، فترسل له أنت المبلغ المطلوب منك، أصحاب الكاش يحتاجون من الموظف حسابه البنكي، فيرسلون له دفعات مالية تختلط بأموال أصحاب البضائع، فيرسل مستحقات المال لأصحاب البضائع «طعام أو ملابس أو أي غرض» ثم يبقى في حسابه المبلغ ذات الطلبات الوهمية يعيدها لرقم حساب يعطى له، ويأخذ نسبته الصغيرة البسيطة منها، «ولا من شاف ولا من دري»!!
هذا هو عمل المنظف، أن يكون طرفاً في النص تصله أموال مشبوهة على حسابه فلا يسأل ولا يهمه أن يعرف مصدرها إنما المطلوب منه أن يعيد إرسالها من حسابه أيضاً على دفعات، حتى لا يلفت الانتباه.
المنظف الثاني هم مشاهير السوشل ميديا والقضية الآن في مصر طالت أسماء «مشاهير» من أوساط شعبية فقيرة يتوسم فيهم نجاح حساباتهم وإقبال الناس لمتابعتهم، المطلوب منهم أن يفتحوا حساباً في التيك توك، ومن خلاله يرسل المتابعون لهم هدايا الإعجاب وهي مبالغ نقدية ترسل عبر التيك توك للحسابات البنكية، ويحدد مبالغها رموز تظهر على الشاشة لأصحاب البث المباشر، مثل قبعة، وردة، أسد، سفينة، ولكل رمز من هذه الرموز مبلغ محدد، فوجدوا في حساب طفلة مشهورة في الثانوية العامة مبلغ 15 مليون جنيه مصري جمعتهم في سنة ونصف، عبارة عن نسبتها من المبلغ الكلي الذي وصلها وأعادته لأصحابه، فإن كانت نسبتها واحد في المائة تستقطعه من المبالغ المحولة لها على شكل هدايا، مثلاً فإن مجموع ما غسلته مليار ونصف جنيه!! هذه الطفلة أو ربات البيوت اللاتي قبض عليهن مؤخراً هم من مشاهير التيك توك، متابعينهم بالملايين وحتى هذه الأرقام ربما تكون مضافة لهم من الوسطاء بغرض التمويه.
هل هؤلاء المنظفون كانوا مغفلين بالفعل أم متغافلين؟ في كلتا الحالتين القانون لا يحميهم.