لدي صديق أعتز به كثيراً، لسبب بسيط جداً. إذ كلما يقبل أجده مبتسماً باشاً، وطاقته الإيجابية تملأ المكان. لدرجة أنني لو كنت في مزاج متقلب تدفعني روحه الجميلة للابتسام أو الضحك.

ذات يوم غير مزاجي بشكل رهيب، جعلني أترك عناء التفكير في أمور عديدة جادة، وأخذت أبتسم، وقلت له: «لديك قدرة خارقة على سرقة الموجات السالبة وإبدالها بأخرى إيجابية، وكأنك أرسين لوبين».

سألني مستغرباً: «من هذا أرسين لوبين»؟!. هنا قلت له دعني أحكي لك عن هذا اللص الخيالي الذي اشتهر بسرقة «قلوب الفقراء».

أرسين لوبين ظهر على الورق، وطل علينا وهو يقول: «لماذا لا نبتسم قليلاً»؟!

هو لص فرنسي أنيق لم يكتفِ بسرقة خزائن الأثرياء، بل سرق قلوب القراء والفقراء بابتسامته، وذكائه، وأناقته المميزة حتى وهو يرتكب جريمته!

لوبين ليس لصاً تقليدياً. لا سلاح، لا دماء، لا تهديد. فقط خطة ذكية، نكتة في التوقيت المناسب، وربطة عنق مشدودة بعناية. لصّ بمواصفات فارس نبيل، يرفض إيذاء الأبرياء، ويترفع عن سرقة الفقراء. لو كان هناك من يسرق بمظلة لا بمسدس، فهو بالتأكيد لوبين!

في إحدى مغامراته الظريفة، يتسلل لوبين إلى متحف تحت حراسة مشددة فقط ليسرق نظارات الحارس! ثم، كأن الأمر نكتة داخل نكتة، يضع النظارة فوق رأس الحارس من الخلف قبل أن يهرب. وفي اللحظة التالية، يصرخ الحارس: «أين نظارتي»؟! وهو يرتديها فعلاً! هذه ليست سرقة فقط، بل دعابة مرحة على طريقة لوبين، تُربك وتُضحك في آن واحد.

حين يواجه أرسين خصمه «هيرلوك شولمز» وهو النسخة الموازية لشيرلوك هولمز في عالم موريس لوبلان، يخدعه لوبين بتنكر تام، ويظهر في هيئة خادم بسيط لا يُثير الشك. وعندما تنكشف الخدعة، لا يجد شولمز ما يقوله سوى: «لقد كان أفضل مني في التخفي، وهذا مؤسف حقاً». ويا له من اعتراف، من أشهر محقق في الأدب!

الكاتب الفرنسي العظيم موريس لوبلان الذي ابتكر شخصية أرسين لوبين، لم يقدم مجرد لص، بل أعاد رسم صورة «الشرير» في الأدب. جعله مثقفاً، لبقاً، ساخراً، وملتزماً بقواعد أخلاقية صارمة. جعله في حالة تمرد راقٍ على المفاهيم الكلاسيكية للجريمة والعقاب.

إن ما يجعل لوبين محبوباً حتى اليوم هو أنه يُذكرنا بأن الذكاء قد يكون أقوى من العنف، وأن الكاريزما تسبق الرصاص، وحتى اللصوصية – إن جاز التعبير – يمكن أن تحمل شيئاً من الظرافة والإبداع، بعيداً عن الظلام والسواد المعتاد في قصص الجريمة.

وقد نجح المسلسل الفرنسي «لوبين» مؤخراً في إعادة إحياء هذه الشخصية الساحرة، بلغة العصر وروحها، ليبرهن مرة أخرى أن اللص الظريف لا يزال يسرق القلوب بسهولة، كما يسرق المجوهرات في القصص.

فإذا صادفت يوماً من يسرقك بابتسامة، ويترك خلفه نكتة أو رسالة طريفة، فلربما يكون أرسين لوبين قد زارك في زيارة سريعة!

عطلة نهاية أسبوع جميلة أتمناها لكم، ولا تدعوا أحداً يسرق ابتسامتكم.