منذ اللحظة الأولى، وفي أول لقاء يأسرك أي شخص تقابله تدرك مدى طيبة قلب هذا الشخص روحه المرحة التي تجعلك تحب هذه الشخصية ومن هنا تبدأ العلاقات الإنسانية القائمة على الود والاحترام بين البشر، فما بالك إذا كان هذا الشخص طبيباً يعالج المرضى من الآلام التي يعانيها هو وذويه هنا يثبت هذا الطبيب أن مهنة الطب ليست مجرد تشخيص ووصف دواء، بل رسالة سامية تقوم على الرحمة قبل العلم وعلى الإنسانية قبل أي اعتبار آخر، مثل هذا الطبيب أو ذاك يرون المريض إنساناً أولاً لا رقماً في ملف أو حالة سريرية على الورق.

إن وجود أطباء بهذه الروح يذكرنا بأن الطبيب الحقيقي هو من يستطيع أن يمزج بين العلم والخبرة وبين الحب والإحساس بالمريض وجدانياً، وهذا ما يجعل أثرهم ممتداً في قلوب المرضى حتى بعد أن يغادروا غرف العلاج.

تلك المقدمة هي تمهيد لما عايشته من خلال تجربة علاج البنت الصغرى لابن عمي، والتي امتدت لأكثر من عام ونصف عام ولدت وبها تشوهات خلقية في القلب، ولكن وبفضل من الله تعالى ثم بجهود الطاقم الطبي في مركز محمد بن خليفة للقلب أن تجري العملية بكل نجاح، إلى جانب تشوهات خلقية أخرى في الأعضاء التناسلية، وقد أجريت لها عدة عمليات في مستشفى السلمانية الطبي، ولازالت تتعالج ولم ينته حتى الآن، هنا كنت حاضراً، وتشرفت بالتعرف عن قرب على شخصية فريدة جمعت بين الكفاءة الطبية العالية والروح الإنسانية العميقة، هو استشاري جراحة الأطفال الدكتور نبيل العشيري، وحقيقة منذ اللحظة الأولى التي تقابله فيها وهو يستقبل المريض وذويه بابتسامة تبعث على الطمأنينة وكلماته التي تبعد القلق والخوف، ويسعى جاهداً لتسخير إمكانياته لمساعدة المريض، ويرى الجميع سواسية دون أي تفرقة، ويقول هذا هو واجب الطبيب، وفي حديثي معه وجدته وطنيا مخلصاً يعشق تراب هذه الأرض وقيادتها، وفي الوقت ذاته أيضاً تجده في أدائه العملي طبيباً يمتلك الخبرة والكفاءة التي تراكمت على مدى أكثر من ثلاثة عقود من العطاء.

وفي خضم الحديث عن حالة الطفلة وأثناء الشرح لما سيتم العمل في حالتها الطبية، لمست من حديث الدكتور العشيري وهذا ما يميزه بأنه يرى في مهنته أمانة لا مهنة فقط فهو لا يكتفي بعلاج الأعراض، بل يحرص على الوصول إلى جذر الألم، ويدرك أن الدعم النفسي أحياناً يكون الدواء الأهم، كلماته المطمئنة وتعامله الطيب الذي يحمل الاحترام كفيلة بأن تجعل المريض يشعر أنه ليس وحيدا في معركته مع المرض، وبالفعل هذا ما حصل، فقد كان الدكتور معنا ويسعى لتذليل أية صعوبات في علاج الطفلة، وقد تم إجراء العملية الأولى في مستشفى السلمانية، ولكن حدثت مضاعفات بعد العملية وهو ما جعل الطاقم الطبي وعلى رأسهم الدكتور نبيل أن يتم استدعاء طبيب زائر من الخارج لعلاج عدد من الحالات المستعصية وبالفعل تم إجراء العملية الثانية من قبل البروفيسور المعروف الدكتور محمد الصواف، ولكن كان القدر لهذه الطفلة أن يتم إعادة العملية للمرة الثالثة، ولكن هذه المرة قام والدها بالسفر بها، وعلى حسابه الخاص إلى سلطنة عمان للدكتور محمد الصواف الذي تعاون كثيراً وله الشكر والثناء الجزيل ليقوم بإجراء العملية التي نتمنى أن تتكلل بالنجاح هذه المرة لوقف معاناة هذه الطفلة الصغيرة التي عانت الكثير، ولا زالت حتى كتابة هذا المقال.

زاوية همسة

ليت كل من يمارس مهنة الطب يتذكر أن وراء كل مريض حكاية، وأن خلف كل حالة قلق وأمل، وأن هناك أسراً تنتظر الشفاء من الله تعالى أولاً ثم على أيدي أطباء يداوون القلوب قبل الأجساد، ويتركون بصمة إنسانية تسبق توقيعهم على الوصفات الطبية، والدكتور نبيل العشيري مثالاً للطبيب الإنسان وهو بحق نبيل العطاء.