قرأت قصة لأحد الأزواج يشكو من جفافه العاطفي تجاه زوجته بعد تسع سنوات من الزواج! كان يقول إنه لا يستطيع أن يقول لها كلمة «أحبك»، رغم أنها تقوم بكل واجباتها تجاهه وتجاه أولادهما، وأنه يشعر بأن الزواج كان لأجل الاستقرار وإنجاب الأطفال فقط، لا عن حب. زوجته بدورها تشتكي من صمته وعدم اهتمامه بالمشاعر، وهو يتساءل: هل يمكنه أن يتغير؟
هذه القصة ليست غريبة؛ فكثيرون يعيشون تحت سقف واحد، لكنهم محرومون من التعبير عن الحب، وكأن المشاعر ترفٌ لا داعي له. والحقيقة أن الحب ليس شعوراً صامتاً يسكن القلب فحسب، بل هو طاقة حياة تُنعش العلاقات، وتبني جسور المودة بين الناس. وقد قدّم رسول الله ﷺ أرقى نموذج في التعبير عن الحب والثناء، فجعل من الكلمات الطيبة واللمسات الحانية وسيلة لإحياء القلوب، سواء مع زوجاته أو أصحابه أو حتى الأطفال.
كان النبي ﷺ قدوة في التعبير عن حبه، فعندما سأله عمرو ابن العاص من أحب الناس إليك، فقال أمام الصحابة دون تردد: «عائشة»، ثم حين سُئل عن أحب الرجال إليه قال: «أبوها». لم يخجل من التصريح بحبه، بل أعلنه أمام الملأ ليعلّمنا أن الحب الصادق فخر لا يُخفى.وكان ﷺ يمازح زوجاته، ويسابق عائشة، ويمسح دمعة صفية، ويستمع لعائشة وهي تحكي قصة إحدى عشرة امرأة حتى النهاية، ثم يعلّق بكلمات رقيقة: «كنت لك كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك».
هذه المواقف ليست مجاملات عابرة، بل رسائل واضحة: أن التعبير عن المشاعر ليس رفاهية، بل ضرورة لبقاء المودة.
كثير من الأزواج أو الزوجات يعتقدون أن ما يقدمه الطرف الآخر «واجب» لا يستحق الشكر أو الثناء، وهذا فهم ناقص. فالنفس البشرية تحتاج إلى التقدير حتى تستمر في العطاء بروح طيبة.
حين يقول الزوج لزوجته: «شكراً على وجبة الطعام» أو «أعجبني ترتيبك للبيت» فإن هذه الكلمات تمنحها دافعاً لمزيد من الإبداع. وكذلك الزوجة حين تشكر زوجها على جهده في العمل أو موقفه الإيجابي، فإنها تزرع في قلبه الشعور بالقيمة.
الثناء.. مفتاح التربية الإيجابية
- الأطفال خاصةً يتغذّون على كلمات التشجيع.- عندما ينجح ابنك في مهمة صغيرة، ويُقابل ذلك بابتسامة وثناء، فإنه سيسعى لتكرار السلوك الجيد.- حين تثني على مجهودهم لا على النتيجة فقط، فإنك تزرع فيهم قيمة الاجتهاد والمثابرة.- الأطفال الذين يُسمعون كلمات الحب والتقدير، ينشأون أكثر ثقة بأنفسهم وأقل عرضة للمشكلات النفسية.
حل مشكلة الجفاف العاطفي
الجفاف العاطفي لا يعني انعدام الحب بالضرورة، بل قد يكون عادة سلوكية أو طريقة نشأة جعلت التعبير عن المشاعر أمراً صعباً.وللتغلب عليه:1. التدرج والتكلّف الإيجابي: حتى إن لم تشعر بالارتياح، جرب كلمات بسيطة يومياً مثل: «صباح الخير يا أجمل زوجة»، أو «أنا فخور بكِ». مع التكرار ستصبح عادة طبيعية.2. تغيير الروتين: خصص وقتاً للحديث مع الشريك بعيداً عن شاشات التلفاز أو الهواتف.3. التعلّم من القدوة: قراءة السيرة النبوية بتأمل، والاقتداء بهديه في الملاطفة والابتسامة والكلمة الطيبة.4. التفكير في أثر الكلمات: تذكّر أن عبارة صغيرة قد تغيّر يوم شخص تحبه.5. تدريب النفس على المديح: ضع هدفاً يومياً لتقديم 3 عبارات ثناء لزوجك - زوجتك أو أولادك.
عزيزي الزوج عزيزتي الزوجة إن إظهار الحب والثناء ليس ضعفاً، بل قوة وذكاء عاطفياً. وهو ما أوصى به الإسلام، وطبّقه رسول الله ﷺ في حياته اليومية. العلاقات التي يغذيها الحب المعلن والشكر المستمر تعيش أطول، وتنتج نفوساً أكثر صحة وطمأنينة، سواء بين الأزواج أو بين الآباء والأبناء.
فلنجعل كلماتنا جسوراً لا جدراناً، ولنتذكّر أن «كلمة طيبة» قد تكون أثمن من أي هدية.