العلاقة بين الصحفيين المتخصصين في تغطية المحاكم وبين المحامين ليست مجرد تواصل مهني عابر، بل هي شراكة تقوم على هدف جوهري، نشر الثقافة القانونية والحقوقية بين الناس، وتعزيز الردع العام من خلال إطلاع المجتمع على الأحكام القضائية في القضايا الكبرى التي تهم الرأي العام.

هذا التعاون لم يقتصر على المحامين وحدهم، بل شمل السادة القضاة وأعضاء النيابة العامة، إذ اتفق الجميع على أن الشفافية في العمل القضائي والنشر المسؤول في الصحافة ركيزتان أساسيتان لخدمة المجتمع. فالجلسات بطبيعتها علنية، إلا في القضايا التي تستوجب الخصوصية، مثل القضايا الأسرية أو تلك التي تمس الأطفال وضحايا الاغتصاب.

ولأجل ذلك حرص المجلس الأعلى للقضاء والنيابة العامة على استخدام كل الوسائل التقنية لحماية هذه الخصوصيات.

يدرك الصحفيون أن دورهم ليس الإثارة، بل التوعية ونقل المعلومة من مصادرها الرسمية، ولهذا سعوا دائماً إلى الحفاظ على جسور الثقة مع القضاة والنيابة والمحامين، غير أن ما وقع مؤخراً مع الزميل علي طريف من تعرضه لاعتداء لفظي من أحد المحامين كان أمراً صادماً، وخارجاً عن المألوف في إطار هذه العلاقة.

فكيف يمكن أن يتهم الصحفيون بالإثارة، في الوقت الذي يلجأ فيه بعض المحامين أنفسهم إلى نشر تفاصيل قضاياهم عبر الصحف لإيصال الرسالة القانونية للمجتمع؟ وتحقيق الهدف المشترك للطرفين.

لقد نشرت الصحف على مدى سنوات عشرات القضايا التي شغلت الرأي العام، بدءاً من جرائم القتل والاختلاس، مروراً بحوادث التعنيف، وصولاً إلى قضايا الغش التجاري، والغاية من ذلك لم تكن يوماً سوى ترسيخ الوعي، وحماية المجتمع من التكرار، وتحقيق الردع العام.

والسؤال الذي لا بد من طرحه بصراحة: أيهما أكثر خطورة على المجتمع؟ أن يقرأ الناس وقائع القضايا من صحفي متخصص ملتزم بالضوابط، أم أن تُترك الساحة للفوضى على منصات التواصل الاجتماعي حيث تتحول الحقائق إلى شائعات، والأحداث إلى مسرح للتأويلات المغرضة؟

إن الإجابة واضحة. فالإعلام المهني الملتزم هو صمام الأمان للرأي العام، وهو السبيل لضمان أن تصل الحقيقة كما هي، بعيداً عن الإثارة غير المسؤولة. فالصحافة هنا تؤدي رسالتها المجتمعية، وتؤكد أن الجلسات العلنية لم تُقرّ إلا من أجل الناس، ولأجل وعيهم وحمايتهم.

فالصحفي الذي ينقل الحقيقة من قاعة المحكمة ليس خصماً لأحد، بل هو عين المجتمع وضميره، وفي النهاية نؤكد بأن ما حدث أمر غير مألوف والعلاقة القائمة بين الصحفيين والمحامين قائمة على الود والاحترام المتبادل.