عندما صدر قانون المرور الجديد في عام 2014 كنت من أوائل وأقوى المؤيدين له، رغم أن أصواتاً عديدة حينها ارتفعت معبرة عن ضيقها من رفع قيمة الغرامات وتشديد العقوبات.

كنت أقول حينها، وما زلت، بأن الهدف من كل ذلك لم يكن يوماً، ولن يكون لتحصيل الأموال أو زيادة موارد الدولة، بل هدفه الأسمى والأول هو حماية الأرواح وصون حياة الناس، سواء كانوا سائقين أو ركاباً أو مشاة.

اليوم، مع صدور المرسوم الملكي السامي بتعديل بعض أحكام القانون وتشديد العقوبات أكثر، يتأكد مجدداً أن الرؤية كانت في محلها، وأن الدولة تمضي بثبات لحماية أمن الطريق والمجتمع. بلادنا تضع سلامة الإنسان قبل أي شيء.

وهنا لنتكلم بواقعية وبكل صدق، إذ جميعنا شهود وبشكل يومي على ما تشهده طرقنا من حوادث جسيمة، بعضها ينتهي بوفاة وإزهاق أرواح، أو بإعاقة بشر أبرياء، وكل هذا بسبب استهتار سائق متهور أو متعاط للمسكرات أو المخدرات، أو بسبب تجاوز إشارة حمراء وكأنها لا تعني شيئًا، أو قيادة عكس الاتجاه بلا مبالاة، وكأننا في تحدٍ أو سباق على الحلبة.

هذه ليست مجرد مخالفات عابرة، بل ”جرائم حقيقية" تهدد حياة البشر، وتعصف بأسر وعوائل كاملة، بل تهز أركان مجتمع مسالم كمجتمع البحرين. وهنا لنتساءل بكل صدق وإنسانية، إذ ما ذنب طفل يفقد أباه بسبب رعونة وتهور سائق؟! وما ذنب أم تفقد أبناءها؛ لأن شخصاً قرر القيادة بسرعة جنونية؟!

التشديد الجديد في القانون، من الغرامات الكبيرة، إلى عقوبات السجن، مروراً بإمكانية سحب الرخص أو مصادرة المركبة في الحالات الجسيمة، هذا التشديد رسالة واضحة بأن التساهل مع مثل هذه السلوكيات لم يعد مقبولاً. نعم وبكل قوة، القوانين الرادعة هي وحدها الكفيلة بأن تضع حداً لهذا التهور. فالعقوبات المخففة أو الغرامات البسيطة لم تعد تكفي، بعد أن رأينا أعداد الضحايا تتزايد نتيجة لا مبالاة بعض السائقين.

ومن يعترض على تغليظ العقوبات، نقول له ببساطة: لا تخالف القانون، ولن تطالك أي غرامة أو عقوبة. فمن يقود بشكل مثالي آمن، ويطبق الأنظمة التي وُضعت أصلاً لحمايته وحماية غيره، لن يخشى أبداً من هذه القوانين. بل بالعكس، سيجد فيها ضماناً لسلامته وسلامة أسرته، حين يخرج ويعود من الطريق مطمئناً. وإن كنت معترضا، فقد تخيل لا سمح الله أن تفقد ابنك أو عزيزاً عليك بسبب سائق متهور، حينها ستطالب بقوانين أشد وأقوى. فلا تقللوا من أهمية الأمر ولا تتساهلوا فيه.

ما جرى خطوة شجاعة وحاسمة من القيادة الحكيمة، يشكر عليها ملكنا الغالي وسمو ولي العهد رئيس الوزراء، وتستحق وزارة الداخلية بقيادة وزيرها المخلص الشهم الشكر على جهودهم. وهي خطوة تؤكد أن الأرواح أغلى من أي شيء آخر، وأن المجتمع لا يمكن أن يقبل بأن تتحول طرقه إلى ساحات استهتار وإزهاق للأرواح.

نأمل اليوم أن ترتدع الفئة المتهورة، وأن نتعاون جميعاً كسائقين ومواطنين ومقيمين على جعل شوارع البحرين نموذجاً للأمان والانضباط. وهنا لنستوعب بأن القوانين الصارمة ليست قيداً على الحرية، بل هي الضمان الحقيقي لحرية الجميع وحقهم الأصيل في أن يعيشوا بأمان، ويعودوا سالمين إلى بيوتهم كل يوم.