الأخبار والفيديوهات والتقارير ذات الصلة بالسياحة والترفيه تشي بحدوث تحول كبير في عادات السياح واتجاهاتهم، وبأن عدداً أكبر من السياح لم يعد يبحث فقط عن المعالم التقليدية والتقاط الصور، بل أصبح يريد تجارب أصيلة، والانغماس في الثقافة المحلية للدولة، والعودة بذكريات فريدة لا تنسى، وفي مدن مثل باريس ولندن وروما، لم يعد السياح يكتفون بزيارة المتاحف والمعالم التاريخية والأثرية، بل أصبحوا يبحثون أكثر عن المهرجانات، وجولات تذوق الطعام المحلي في الأحياء غير السياحية، وحتى المشاركة في أنشطة المجتمع المحلي. وفي الواقع إن هذه التحولات العالمية تفرض على الوجهات السياحية أن تعيد النظر في استراتيجياتها وخططها لتواكب هذه المتغيرات.
العديد من دول الشرق الأوسط أدركت هذه المتغيرات مبكراً، ولم تعد تعتمد فقط على التسوق ووجهات الترفيه، بل طورت سياحة المغامرات في الصحراء، والسياحة الثقافية في المتاحف الحديثة، وحتى السياحة العلاجية، ودول الخليج خصصت ميزانيات ضخمة لتحويل مواقع التراث إلى وجهات سياحية تفاعلية، وإنشاء وجهات جديدة، والبحرين بالطبع لم تكن بمنأى عن هذه المنافسة الإقليمية والعالمية.
فما شهدته البحرين هذا الصيف خصوصاً من فعاليات وأنشطة ضمن موسم «صيف البحرين» كان فريداً وجاذباً جداً ونال إعجاب واهتمام آلاف الزوار حول العالم، من «مهرجان البحرين للألعاب» إلى العروض الموسيقية والحفلات العالمية والعروض المسرحية، ومهرجانات الطعام، وكلها كانت خطوات سليمة في الاتجاه الصحيح، لكن التحدي الذي تواجهه أغلب الدول والذي تتجاوزه البحرين الآن، هو تحويل هذه الفعاليات الموسمية إلى منتجات سياحية دائمة، فالسائح الذي يأتي في يناير يجب أن يجد تجارب مماثلة لما يجده في يوليو، وأن يتمتع بالأجواء ذاتها والاهتمام نفسه الذي ينالونه سياح الصيف.
وقد ضاعف هذا الزخم بروز وجهات سياحية جديدة خلال فترة وجيزة مثل مشروع «سما بي» في قلالي ومراسي جاليريا وشاطئ «ميليا» في جزر أمواج وغيرها، والتي تشكّل كلها مجتمعة عناصر جذب جديدة للقطاع السياحي في البحرين تلبّي تطلعات السياح، وتعزز جاذبية السياحة وخاصةً السياحة العائلية، وتحتضن البحرين أيضا علامات فاخرة متعددة من الفنادق التي يبلغ عددها 135 منها 28 فندقاً من فئة 5 نجوم، إضافةً إلى المرافق التي توفر أنشطة ترفيهية وتجارية، فيما لا يزال سباق «الفورمولا 1» يشكل قمة هرم الفعاليات السياحية.
من المهم هنا تكوين معرفة أشمل بالوسائل التي يتعرف من خلالها السائح على الوجهات السياحية الجديدة، والاستثمار فيها، والترويج للوجهات الجديدة عبرها، فالسائح اليوم لا يقرأ المجلات السياحية، بل يتابع المؤثرين على إنستغرام، ويشاهد الـ «فلوجس» على يوتيوب، ويتابع وجهات السفر الجديدة عبر منصات إلكترونية متخصصة ووسائل التواصل الاجتماعي، لذا فإن العالم اليوم بحاجة إلى استراتيجية رقمية أكثر جرأة، تستهدف شرائح محددة من السياح، مثل عشاق التاريخ، أو محبي تجربة أصناف مختلفة الطعام، أو الباحثين عن الرفاهية والترفيه.
البحرين لديها كل المقومات لتكون وجهة سياحية متميزة، تاريخ غني، موقع استراتيجي، شعب مضياف، واستقرار اقتصادي وسياسي، لكن المنافسة الآن أصبحت أكثر شراسة، والنجاح فيها يتطلب رؤية شاملة تجمع بين تطوير المنتجات السياحية المتنوعة، وتحسين البنية التحتية، والتسويق الذكي، والاستدامة، فالمستقبل للدول التي تفهم أن السياحة لم تعد ترفاً، بل صناعة استراتيجية تساهم في التنوع الاقتصادي وخلق فرص العمل، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، والبحرين قادرة على أن تكون في مقدمة هذه الدول بكل جدارة، مع مواصلتها الاستثمار في تحويل تحديات القطاع إلى فرص حقيقية.