مع حلول كل موسم دراسي جديد، تستيقظ في ذاكرتي صور قديمة تعود إلى سنوات مضت؛ حيث كانت بهجة الاستعداد للمدرسة تكمن في مرافقة الوالد، رحمه الله، لشراء متطلبات العام الدراسي الجديد؛ الزي الرسمي والحقيبة والقرطاسية وبعض الأدوات البسيطة، حيث كانت الخيارات قليلة، لكنها كافية ومناسبة وبتكاليف كانت معقولة، وفي متناول معظم الأسر، حتى المتوسطة والضعيفة منها.

أما اليوم، فقد تغير المشهد بشكل كبير؛ فرغم أن الأطفال ما زالوا يستقبلون العودة إلى مقاعد الدراسة بفرحٍ وفضول، إلا أن هذه الفرحة باتت محطة قلق وترقب وحسابات لكثير من العائلات، وهي تواجه متطلبات متزايدة وأسعاراً متصاعدة عاماً بعد عام، فيما لا تكتفي بعض المدارس بالأساسيات وما قد يحتاجه الطالب فعلياً، بل تفرض على الأسر طلبات خاصة تفوق أحياناً قدراتهم، خصوصاً إذا كان لديهم أكثر من طفل ملتحق بالتعليم، لتتحول العودة إلى المدارس من مناسبة عائلية جميلة ومبهجة إلى موسم مرهق مادياً.

في خضم هذا الضغط؛ جاءت مبادرات وزارة الصناعة والتجارة لتشكل بارقة أمل، حيث أعلنت الوزارة عن سلسلة من الخطوات لدعم المستهلكين، مواطنين ومقيمين، من أبرزها مبادرة «صديق المستهلك» الخاصة بالعودة إلى المدارس، والتي تتيح للمحال التجارية تقديم خصومات واسعة على مستلزمات متنوعة تشمل القرطاسية والحقائب والأزياء المدرسية، وصولاً إلى الأجهزة الإلكترونية والنظارات والمنتجات الغذائية.

ما يلفت الانتباه أن هذه المبادرة ستستمر حتى نوفمبر 2025، الأمر الذي يتيح لكثير من الأسر مساحة أكبر للاستفادة من العروض والتسوق بأسعار معقولة نسبياً، كما يمنح التجار فرصة لإظهار التزامهم المجتمعي في ظرف حساس يطال كل بيت في البحرين.

ورغم أهمية هذه المبادرات، يبقى التحدي قائماً؛ فالفارق بين القدرة الشرائية للأسر لا يمكن إغفاله، فما يعده البعض سعراً مناسباً قد يكون فوق طاقة آخرين، وهو ما يجعل دور الرقابة التي تنفذها إدارة التفتيش بالوزارة ضرورياً لضمان عدالة الأسعار وجودة السلع ومنع أي استغلال قد يفاقم معاناة المستهلك، ويزيد من أعبائه.

في نهاية المطاف، فإن موسم العودة إلى المدارس ليس مجرد محطة تعليمية، بل مرآة تعكس واقعنا الاجتماعي والاقتصادي، وهنا لا بد لي أن أطرح السؤال نفسه؛ هل أصبح التعليم رفاهية؟ أم ما زال حقاً أساسياً يجب أن تتكاتف الدولة والمجتمع والمدارس لحمايته؟

إن مبادرات وزارة الصناعة والتجارة خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها بحاجة إلى أن تستكمل بجهود من المؤسسات التعليمية نفسها، الحكومية والخاصة، عبر ترشيد الطلبات وتقدير أوضاع الأسر، عندها فقط يمكن أن يعود موسم العودة إلى المدارس كما عهدناه يوماً فرحة صافية لا يعكرها هم النفقات.