نورا الفيحاني
لا شك في أن عالم الاقتصاد يشهد حالياً تحولات جذرية تفرضها التطورات التقنية والتغيرات السياسية، حيث بات من الواضح أن الاعتماد على الأنظمة المالية التقليدية يعاني من تحديات متزايدة تتعلق بالمرونة، الشفافية، والسيطرة، وفي ظل هذا المشهد، تبرز العملات المشفرة كأحد أبرز الظواهر التي قد تعيد رسم ملامح النظام المالي العالمي.
وتتشابك الصناعة مع التداولات المالية بصورة مباشرة، وهذا ما ترجمه خبر عن عزم شركة تيسلا دمج نظام مساعد صوتي في سياراتها، يعتمد على نماذج صينية وهي "ديب سيك" و"دوباو"، في خطوة تستهدف مواكبة المنافسة في السوق الصينية التي تشهد نمواً متسارعاً في حلول التكنولوجيا المالية.
وفي الوقت ذاته، تتصاعد التوترات الاقتصادية بسبب السياسات التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بذريعة حماية الاقتصاد الأمريكي أو فرض هيمنته على النظام المالي العالمي، إلا أن هذه السياسات، بدلاً من أن تحقق أهدافها، أدت إلى تآكل الثقة بالنظام النقدي الذي يعتمد على الدولار، ودفع العديد من الدول إلى البحث عن بدائل تقلل من اعتمادها على العملة الأمريكية، ومنها تطوير أنظمة دفع بديلة، واستخدام العملات المشفرة في العمليات التجارية.
ففي حين تتجه الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا إلى تعزيز قدراتها في مجال العملات الرقمية الوطنية، لمواجهة عقوبات ترامب، نجد أوروبا تعمل على تطوير إطار تنظيمي يواكب الابتكارات التكنولوجية، واتخاذ إجراءات حمائية ضد رسوم ترامب قد تؤدي إلى تعاون مع دول لم تكن ترغب في توسيع العلاقات الاقتصادية معها، مثل الصين وروسيا.
ولا يختلف الحال مع التصنيع والإنتاج حيث يسعى ترامب لإجبار الشركات متعددة الجنسيات على توطين صناعاتها في أمريكا، إلا أن سلاسل التوريد العالمية قد تفشل سعي الرئيس الأمريكي في تحقيق حلمه، فعلى سبيل المثال يعتمد تصنيع الرقائق الإلكترونية والأشباه الموصّلة، على سلاسل توريد معقدة بشكل يصعب معه التوطين الكامل لتلك الصناعات، حيث تتوزع مكونات الإنتاج عبر قارات متعددة، منها أمريكا وتايوان وكوريا الجنوبية، وتقوم هولندا بتصنيع المعدات فيما يتم التجميع في دول شرق آسيا.
ويؤدي هذا التداخل إلى حدوث هشاشة في النظام العالمي، خاصة عند فرض عقوبات على دول كالصين، لتعود بأثر مباشر على القطاع الصناعي الأمريكي، وتظهر تداعيات ذلك على المدى القصير والطويل.
وفي ظل الإصرار على التصعيد، قد يشهد النظام المالي العالمي تحولات جذرية، يتمحور أحد أبرزها حول تزايد استخدام العملات المشفرة كوسيلة للمدفوعات، بهدف التحرر من الهيمنة الأمريكية، وتقوية موازين القوى الدولية بأدوات أخرى، فالسوق الرقمية تتيح الآن مرونة وشفافية أكثر من الدولار الأمريكي، وتُمكن الدول والأفراد على حد سواء من تنفيذ العمليات المالية بسرعة وأمان، بعيداً عن قيود النظام التقليدي.
وفي نهاية المطاف، يبدو أن العالم يقترب من مرحلة جديدة من التفاعل المالي، تتسم بتركيبة معقدة من التحديات والفرص. إذ إن نجاح أو فشل هذه التحولات يعتمد بشكل كبير على مدى قدرة الحكومات والمؤسسات على تنظيم القطاع، وتعزيز الثقة في العملات الرقمية، مع الحفاظ على استقرار النظام المالي العالمي، وتحقيق توازن بين الحذر والابتكار.