شهد إقليم البحرين في العصور الإسلامية تطوراً اقتصادياً ملحوظاً، حيث لعبت الموارد البشرية دوراً محورياً في دفع عجلة النشاطات الاقتصادية المتنوعة من زراعة، وتجارة، وصناعة، إلى خدمات بحرية وبرية. ولم يكن هذا الازدهار ممكناً لولا الموقع الجغرافي والعوامل الطبيعية الأخرى، علاوة على توفر بيئة سياسية آمنة وداعمة، وهي من العوامل التي وفرتها الدولة العربية الإسلامية منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة حتى نهاية عهد العصور الإسلامية والقوى المحلية العربية، والتي تعاقبت على حكم المنطقة حتى أواخر القرن التاسع الهجري / أوائل القرن السادس عشر ميلادي. وكان للخلافة العباسية دور مركزي في ترسيخ دعائم الأمن وتطوير البنى التحتية، وهو ما مكّن من انتعاش التجارة الداخلية والخارجية. فقد قامت بإنشاء الطرق والخانات، وشيّدت الفنادق في الموانئ، ونظّمت الملاحة البحرية، وحررت التجارة من القيود، واكتفت بمراقبة الأسعار دون التدخل المباشر، ممّا وفّر بيئة اقتصادية سمحت بازدهار النشاط التجاري والصناعي والزراعي. وقد ساعد انتقال مركز الخلافة إلى العراق في تعزيز الموقع الجغرافي والتجاري للبحرين، خاصة عبر الخليج العربي. أما القوى المحلية، مثل العيونيين، فقد كان لها أثر واضح في تثبيت الأمن الداخلي، حيث حاربوا اللصوص وضمنوا سلامة الطرق، ما شجّع على التبادل التجاري ونقل السلع بين الحواضر والأسواق. وامتدّ اهتمامهم إلى رعاية التجارة، وتقديم التسهيلات للرعايا، وإسقاط المكوس، وفتح المخازن في الأزمات، فضلاً عن تشجيع الصناعة والحرف. كما كانت لديهم قوانين متقدمة لحماية الثروات الحيوانية والموارد الطبيعية.ولعبت الأسواق والموانئ المنتشرة في البحرين وعمان دوراً حيوياً في ازدهار التجارة، مثل موانئ قطر وأوال والقطيف والعقير وصحار ومسقط وغيرها، التي شهدت حركة مستمرة للسفن التجارية، ممّا أسهم في تنوع الموارد الاقتصادية وتمازج الثقافات والسلع والخبرات. ولعلّ أبرز ما ساعد على هذا النشاط هو وفرة اليد العاملة، فقد أشار الرحالة ناصر خسرو إلى وجود أكثر من 30 ألف عامل فقط يعملون في الزراعة، إلى جانب أعداد ضخمة من الأيدي العاملة الأخرى في مختلف القطاعات. وتدعم الروايات التاريخية هذا التصور، مما يدل على وجود قاعدة بشرية كبيرة كانت تعمل في الزراعة، والصناعة، والتجارة والخدمات المرافقة، وكانت مدرّبة وذات كفاءة، مما ساهم في بناء اقتصاد قوي ومتنوع.
ختاماً، لقد شكّلت الموارد البشرية العنصر الأساس في ازدهار اقتصاد البحرين خلال العصور الإسلامية. فبفضل الإيمان بجدوى العمل، ومهارة العنصر البشري، والدعم السياسي المنظم، تأسست قاعدة اقتصادية متينة شملت الزراعة، والصناعة، والتجارة، والخدمات، وامتدت آثارها لقرون. وقد أثمر هذا التكامل بين الإنسان والدولة في بناء اقتصاد راسخ ستتناوله المقالات اللاحقة ضمن سلسلة «بحرين الحضارة». ولا تزال هذه المقومات الاقتصادية ماثلة حتى اليوم في مملكة البحرين، التي تواصل بناء اقتصادها على أسس متينة من التنمية البشرية، والانفتاح التجاري، والاستثمار في البنية التحتية، لتكون امتداداً حضارياً وتاريخياً لما أُسس قبل قرون، وتتجه بثقة نحو مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة.