كنا قد استعرضنا في يوم السبت الماضي الموافق 23 من شهر أغسطس في عمودنا إشراقة، المنشور في صحيفة «الوطن» البحرينية، قراءة في سيرة الفقيهة البحرينية لولوة بنت أحمد بن سلمان الكبيسي، وقد تحدثنا عن والدها الشيخ الكبيسي بإيجاز كما تحدثنا عن أحد تلامذته وهو أخو زوجته الشيخ عبدالله بن عجلان رحمهم الله جميعاً، وقد بينا نقلاً عن والدتي مريم بنت عبدالله بن عجلان رحمها الله، أن لولوة بنت الشيخ كما كانت تُعرف، بأنها تتلمذت على يد أبيها، فحفظت عنه القرآن الكريم، وأخذت عنه علوم الدين كالفقه وخاصة فقه النساء. وكان رأيها محل ثقة وتقدير وإجلال الأهالي. وقد جلست مجالس العلم حيث كانت تستفتى وتعلم النساء والأطفال القرآن الكريم وعلوم الدين طوال حياتها.

ولدت المرحومة لولوة بنت الشيخ، في العشرينات من القرن التاسع عشر، في المحرق بالبحرين، وهي الابنة الوحيدة لوالديها: أحمد الكبيسي، وآمنة بنت إبراهيم بن حمد بن عجلان، وقد فقدت لولوة بصرها في طفولتها إثر مرض ألم بها، ورغم أنها كفيفة، إلا أن والدها العلامة الكبيسي اهتم بتعليمها منذ طفولتها، حيث حفظت القرآن كاملاً على يده، وتعلمت منه علوم الفقه وخاصة فقه النساء، حيث كان والدها الكبيسي يحيل لها الأسئلة الفقهية التي ترد إليه في فقه النساء، واكتسبت منه رحمه الله الحكمة وسداد الرأي، حتى وثق الناس في علمها وحكمتها وسداد رأيها، وقد كانت تجلس لتعليم الناس في مجلسها في بيت والدها بفريج الظاعن مرتين في اليوم في فترة الصباح، وفي فترة المساء، فتعلم النساء، وتقدم لهن الآراء الفقهية، وتصلح بين الناس في حالات الخلافات الأسرية، فرأيها محل ثقة الأهالي بالمنطقة لذا تجدهم يلتزمون بحكمها وفصلها في الخلافات الأسرية.

كما عرف عنها بعلاجها للمرضى بالرقيا، فكانت ترقي الرجال والنساء، وكان الناس يستفيدون من رقياها لمرضاهم، فتقول فاطمة ابنة خالها سلمان بن إبراهيم بن عجلان إن لولوة بنت الشيخ كانت ترقي بالقرآن والأذان والإقامة معاً، فتحكي فاطمة عن قصة شهدتها أن أسرة أحضرت لها ابنهم الشاب الذي كان يعاني من حالات قلق وتوتر وارتباك وغيرها من اضطرابات، فأجلسته وظلت تطمئنه حتى هدأ وشعر بالارتياح لها، ثم طلبت منه أن يصلي ركعتين بتركيز وخشوع وما أن انتهى حتى جعلته يستلقي على السجادة، وأذنت في أذنه اليمنى، وقرأت الإقامة في أذنه اليسرى، وأكملت أدعية الرقيا حتى اطمأن وخرج مرتاح البال، وقد شفي من معاناته بعد عدة جلسات، ولما عرف عنها بقدرتها على علاج الناس بالرقيا، زارتها أسرة من إحدى الدول المجاورة، وقد كان لديهم ولد يعاني من مشاكل في اضطراب السلوك، ولثقتهم في قدرتها على علاجه اشتروا بيتاً ملاصقاً لبيتها رحمها الله، وفتحوا باباً بين بيتها وبيتهم، وظلوا يترددون عليها لرقيا ابنهم بشكل مستمر من خلال هذا الباب المشترك، بشكل شبه يومي وكلما تعب أو ألم به قلق، حتى صلح حاله، وقد ظلوا يكنون لها بالعرفان لعلاجها لابنهم وعند عودتهم لبلادهم وهبوها البيت الذي سكنوا فيه عرفاناً منهم بجميلها.

وقد كانت أسرة عجلان يكثرون الزيارة لها والاطمئنان عليها، مثل: والدتي مريم، وخالد بن خالها سلمان الذي كان كثيراً ما يبات في بيتها ليؤنسها، أما عيسى ابن خالها عبدالله فقد كان يرعى شؤونها ويقضي حاجاتها، سواء كان لصيانة المنزل أو غيرها من الحاجات، وتروي زوجته عزيزة بنت محمد الهاجري أن لولوة بنت الشيخ كانت تعتمد كثيراً على عيسى عجلان وعندما تحتاجه ترسل جارتها في طلبه، وتقديراً منها لرعايتها ومساندته لها وهبت جزءاً من بيتها له، والجزء الآخر لفاطمة بنت خالها سلمان، وعندما حل بها مرض الموت استدعت ابن خالها عيسى بن عبدالله بن عجلان فنقلها بسيارة الإسعاف لمستشفى السلمانية للعلاج وكانت المرة الأولى التي يرى فيها وجهها، فكانت تغطي وجهها وجميع بدنها طوال حياتها، توفيت في مستشفى السلمانية عام 1998م، وتواصل عزيزة زوجة عيسى عجلان روايتها، فتقول إنه بعد وفاتها أجر زوجها عيسى بن عجلان المنزل الذي وهبته له وكان ينفق ريع إيجاره كصدقات للأيتام والفقراء لتحصل رحمها الله على الأجر والثواب بعد موتها.

هي البحرين أرض العلم والمعرفة، فقد تعاقب العديد من علماء الدين على أرضها، ونفخر أن تكون من بينهم نساء عالمات على نهج لولوة بنت الشيخ الكبيسي، ولما لا زال بيت الكبيسي وابنته لولوة قائماً، فإننا نتمنى من الجهات المعنية ترميم هذا المنزل وتحويله إلى مَعلم أثري باعتباره منزل أحد علماء البحرين الأجلاء وابنته الفقيهة، رحم الله علماء وعالمات البحرين وعلماء الأمة أجمعين.. ودمتم سالمين.