تعتبر الحوكمة الإدارية إحدى الوسائل الهادفة إلى تحقيق التنمية الشاملة( السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والدينية) من أجل رفاه المجتمع، وإرساء قيم الديموقراطية والعدالة والمساواة في الفرص، والشفافية التي تضمن النزاهة، وتعزيز سيادة القانون، ورسم الحدود الفاصلة بين المصالح الخاصة والعامة والحيلولة دون استغلال المناصب والنفوذ.

وقد تزايدت أهمية الحوكمة خلال العقدين المنصرمين؛ نتيجة للتحول إلى نظام اقتصاديات السوق وتحقيق معدلات مرتفعة ومتواصلة من النمو الاقتصادي واتساع حجم المشروعات وانفصال الملكية عن الإدارة، وتزايد انتقالات رؤوس الأموال عبر الحدود وضعف آليات الرقابة على سلوكيات المديرين، التي أدت إلى بروز الأزمات الاقتصادية كأزمة جنوب شرق آسيا. كما ظهرت الحاجة لها في العديد من الاقتصاديات والأزمات التي شهدتها عدد من دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وروسيا في عقد التسعينات من القرن العشرين، وكذلك ما شهده الاقتصاد الأمريكي مؤخراً من انهيارات مالية ومحاسبية. كما تزايدت أهمية الحوكمة الجيدة؛ نتيجة لاتجاه كثير من دول العالم إلى التحول للنظم الاقتصادية الرأسمالية التي يعتمد فيها بدرجة كبيرة على الشركات الخاصة لتحقيق معدلات مرتفعة ومتواصلة من النمو الاقتصادي.

وتؤكد التقارير الدولية وغالبية الباحثين والمفكرين أن الحوكمة تمثل الأداة الضرورية لتحسين نوعية الحياة، ورفع مستوى معيشة أفراد المجتمع في الدول النامية، وتحقيق الرفاهية والعدالة والاستقرار، وللرفع من مستوى المشاركة من جانب المواطنين في كل ما يخصهم داخل المجتمع المحيط بها، إضافة إلى تعزيز روح الديمقراطية والمساواة في عصر تزداد فيه روح التحدي من المواطنين، سواء من خلال الممثلين في مؤسسات المجتمع المدني أو القطاع الخاص للمواقف السلبية أو عدم الاهتمام بالعديد من القضايا المهمة في المجتمع من قبل بعض المؤسسات الحاكمة.

كما أن ممارسة الحوكمة الجيدة في منظمات المجتمع المدني تؤدي إلى خلق عدالة وشفافية ومعاملة نزيهة لجميع أعضاء المؤسسة، كما أنها تمنع أعضاء لجان الإدارة للسلطات المتاحة لهم في تحقيق مكاسب غير مشروعة أو تبديد أموال الجمعيات والأحزاب المختلفة، كما يساعد تطبيق الحوكمة الجيدة على تنمية الموارد المالية والبشرية.

وفي ضوء ما سبق، نرى أن الأمر يتطلب رغبة صادقة في إنشاء إطار مؤسسي لحوكمة الوظيفة الحكومية إن لم يكن في جهاز مستقل بذاته، أو أن يكون في قسم من أقسام المؤسسات الحكومية، من خلال استحداث ووضع قوانين ولوائح جديدة واضحة بما يؤدي إلى عمل إطار جديد يتيح الفرصة للمواطنين للمشاركة في تشكيل هذا الإطار، ومن الأمور الأساسية إنشاء آليات حديثة للمشاركة في عملية وضع السياسات العامة على أساس الكفاءة والقدرة والمقدرة. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال الإرادة السياسية التي تستطيع فرض النظام بحيث يكون التطبيق من الأعلى إلى الأسفل.

* متخصص في القانون الدولي العام والعلوم السياسية