أمل محمد أمين

وأنا أقرأ قصة الأب المدمن الذي ترك ابنه رهناً عند بائع المخدرات الذي بدوره قام بقتل الطفل حتى يتوقف عن الصراخ تذكرت قول الله تعالى في كتابه الكريم:

﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾

وعلى الرغم من أن كل الديانات حرمت كل ما يُذهب العقل ويضر بالنفس، ومن ذلك الخمر والمخدرات بجميع أنواعها.

إلا أن المخدرات تحولت إلى واحدة من أخطر الآفات التي تواجه المجتمعات المعاصرة، إذ لا يقتصر خطرها على المدمن نفسه، بل يمتد ليطال الأسرة والمجتمع بأكمله. ومع تفاقم هذه المشكلة، تتزايد مظاهر العنف وترتفع معدلات الحوادث المرورية، مما يجعلها قضية تحتاج إلى تضافر جميع الجهود لمواجهتها.

ويسعى ضعاف النفوس إلى استغلال العوامل التي تدفع الأفراد، وخاصة الشباب، إلى تعاطي المخدرات، من أبرزها ضعف الوازع الديني والأخلاقي، ورفقاء السوء الذين يشجعون على التجربة بدافع التسلية أو التحدي، إضافةً إلى التفكك الأسري الناتج عن الخلافات أو الإهمال، مما يدفع الأبناء للبحث عن ملاذ نفسي خارج المنزل. كما تسهم الضغوط النفسية والاجتماعية مثل القلق والاكتئاب والبطالة في دفع البعض إلى الإدمان هروباً من الواقع، فضلاً عن غياب الوعي المجتمعي بمخاطر المخدرات وأضرارها الصحية والاجتماعية.

وتؤثر المخدرات تأثيراً مدمراً على مختلف جوانب الحياة، حيث تؤدي إلى انهيار البنية الأسرية وارتفاع معدلات الجريمة؛ بسبب حاجة المدمن إلى المال، كما تتسبب في تراجع الإنتاجية وضعف الأداء في العمل والدراسة، وتزيد الأعباء الصحية والاقتصادية على الدولة؛ بسبب تكاليف العلاج والرعاية.

ويرتبط تعاطي المخدرات ارتباطاً وثيقاً بانتشار العنف وارتفاع الحوادث المرورية، إذ تضعف المخدرات السيطرة على الأعصاب، وتؤدي إلى سلوك عدواني تجاه الآخرين، كما أن القيادة تحت تأثير المخدرات أو الكحول تؤدي إلى فقدان التركيز وزيادة معدلات التصادم، فضلاً عن أن انتشار العنف المجتمعي يولد سلوكيات متهورة أثناء القيادة مثل السرعة المفرطة أو التجاوز الخطر.

ومن هنا تتطلب مكافحة هذه الظاهرة تعاوناً مشتركاً بين جميع مؤسسات المجتمع من خلال التوعية بمخاطر الإدمان عبر حملات إعلامية وبرامج تثقيفية، وتعزيز دور الأسرة في متابعة الأبناء وتوفير بيئة صحية وداعمة، وتفعيل دور المدارس والجامعات في نشر الوعي وتحصين الطلاب من رفقاء السوء. كما يجب تقديم برامج دعم نفسي للشباب لمساعدتهم على مواجهة الضغوط والتحديات، وتطبيق القوانين بحزم ضد المروجين والمتاجرين بالمخدرات، إضافة إلى توفير فرص عمل حقيقية للحد من الفراغ والبطالة.

وإذا كان تأثير المخدرات والعنف على المجتمع والحوادث المرورية أمر بالغ الخطورة، فإن مواجهته تتطلب مسؤولية جماعية تبدأ من الفرد والأسرة، وتمتد إلى مؤسسات الدولة. فبالوعي، والتربية السليمة، وتطبيق القوانين، يمكننا بناء مجتمع آمن خالٍ من المخدرات والعنف، يسوده الأمن والاستقرار.

فحماية المجتمع من المخدرات والعنف تبدأ من الوعي وتنتهي بالتعاون، فهي معركة يجب أن نخوضها جميعاً.