في عالمٍ تتعدد فيه الرؤى وتتشابك المصالح، لا مفر من وقوع الخلاف بين الناس، لكن القيمة الحقيقية لا تُقاس بغياب النزاع، بل بكيفية إدارته. وهنا يبرز مفهوم شرف الخصومة باعتباره مبدأ أخلاقياً وإنسانياً يميز المجتمعات المتحضرة عن غيرها.
الخصومة ليست عداوة أو ساحة لتصفية الآخر
كثيراً ما يُخطئ الناس في اعتبار الخصومة مرادفاً للعداء، بينما حقيقتها أنها خلاف في موقف أو مصلحة، ينبغي أن يُدار في إطار العدالة والاحترام. يقول تعالى:«وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى»، توجيهٌ يربط التقوى بالعدل حتى مع الخصوم.
- البعد الأخلاقي: شرف الخصومة يعني أن تكون نزيهاً في موقفك، صادقاً في حجتك، بعيداً عن التشهير والتشويه والكذب. خصمك ليس عدوك، بل شريكك في يوم من الأيام جمعتكم المودة أو صداقة في اختبار إنساني تُقاس فيه قيمك. وقد ضرب العلماء والأئمة أروع الأمثلة، «ما ناظرت أحداً إلا ووددت أن يُظهر الله الحق على لسانه دوني».
- البعد القانوني: القوانين العادلة بدورها تفترض حسن النية في النزاع، وتعاقب من يسيء استخدام الحق، أو يلفّق الأدلة، أو يطعن في خصمه بغير حق. فالنزاع المشروع لا يبرر الانحطاط في الوسائل.
- نحو وعيٍ مجتمعي جديد: بينما تعلّم المجتمعات المتقدمة أبناءها منذ الطفولة مهارات إدارة الخلاف بروح راقية، تتحول الخصومة في بعض مجتمعاتنا إلى ساحة للانتقام أو التحريض، مما يفتك بالنسيج الاجتماعي، ويقوّض الثقة بالمؤسسات.
ولذلك، فإن ترسيخ ثقافة شرف الخصومة مسؤولية مشتركة للمؤسسات التربوية والدينية والقانونية، بوصفها قيمة حضارية لا ترفاً أخلاقياً وحسب.
- الخلاصة:الخصومة الشريفة هي أن تختلف بكرامة، وتدافع عن حقك بعدل، وتحافظ على إنسانيتك وسط الخلاف. إنها ليست فقط عنواناً لتحضّر الفرد، بل شهادة على نضج المجتمع كله.
ولعل أجمل ما يُقال:«الخصومة لا تبيح الظلم، ولا تبرر الانحطاط والانتقام».