كلما أقرأ عن تاريخ الحكم في البحرين، كلما أكتشف أكثر حجم الفراغات الكبيرة المتروكة دون أن تُكتب أو يُسلّط عليها الضوء أو حتى دون أن تُعطى فرصة لمزيد من الفهم والاستيعاب.

حوادث وقصص تناقلتها الكتب المبعثرة هنا وهناك، كل كاتب حصرها في زاوية رؤيته الخاصة ولونه الخاص وقراءته الخاصة للحدث، إنما معظمها يسرد الحوادث ولا يقف عند صانعها، بمعنى أننا نفتقد كثيراً أنسنة التاريخ، أي الوقوف عند الشخصيات التاريخية التي أثّرت في الأحداث كبشر، كابن كأب كزوج كصديق كجار من هو ذلك الإنسان؟

نادراً ما تجدنا نهتم بالجوانب الإنسانية بكل تكويناتها الملائكية منها والشيطانية، وبخلطها الرباني الفطري أي البشر العادي المخلوق بذات العجينة البشرية التي خُلِقنا منها جميعاً.

قراءة المواقف -أي موقف- خاص أو عام بعيداً عن هذه الزاوية الإنسانية تبقى قراءة ناقصة، لذلك كم هي مؤثرة الصور القديمة حين نراها لأول مرة لأشخاص سمعنا عنهم في إعادة قراءة الموقف لأنك ترى الحدث من خلال ملامح بشرية لا من خلال أسماء أو تواريخ كالحجر الأصم.

صور الشخصيات التاريخية وهم خارج مكاتبهم أو قصورهم تجعلك تفكر في الأحداث التي مرّوا عليها بشكل إنساني أكثر وتجعلك ترى المواقف ذاتها بشكل مختلف لو نظرت إلى صورة بروفايل ثابتة لتلك الشخصية.

لذلك أقف كثيراً عند الصور غير الرسمية لجلالة الملك المعظم حفظه الله، خاصة تلك التي يكون فيها مع المواطنين، أو تلك التي تُظهر الجانب الإنساني الأبوي لجلالة الملك المعظم كتلك التي نُشرت أمس وهو مع أبنائه وأحفاده، يقبّلون يده ويجلسون بقربه ويشاركونه لحظة أبوية حميمة.

لأنها واحدة من وسائل الاتصال غير المباشر بين الحكم وأهله، أكثر مما هي صورة لرئيس نظام سياسي ومواطنين، والفارق المعنوي كبير وله أثر مضاعف فقط يحتاج إلى مزيد من التعزيز لتكريس هذه الصورة.

الأولى تجعل العوامل المشتركة بين رأس الدولة وبين الناس كثيرة ومتعددة وهي أقرب للواقع والحقيقة، لذا من الظلم ألا نعرف أكثر عن تلك القواسم المشتركة بيننا وبينه وبيننا وبين عائلته الكريمة، كلما أبرزت صور القواسم الإنسانية المشتركة كلما عزز ذلك من اللحمة الوطنية وجعلها أكثر منعاً وتحصّنا والأهم هي للتاريخ تحفظه بكل زواياه فلا تغفل عن تلك الزاوية الإنسانية في أب وابن وأخ اتخذ قراراً هنا ورسم سياسة هناك وعمل على حفظ مصالح هنا وامتنع عن أمر ما هناك، العنصر الإنساني المشترك بين الحكم وأهله يبقى في الذاكرة معيناً للمتلقي كي يفهم أكثر ويستوعب أكثر في قراءة الحاضر وإعادة قراءة الماضي.