تُعَدّ الرطوبة الجوية من أبرز السمات المناخية التي تميز فصل الصيف في مملكة البحرين، حيث تسود نسب مرتفعة نتيجة لموقعها الجغرافي على ساحل الخليج العربي وتداخل المؤثرات البحرية مع حرارة الجو العالية. هذا الارتفاع في الرطوبة، مع درجات الحرارة التي تتجاوز في كثير من الأحيان 40 °م، يؤدي إلى خلق بيئة مناخية قاسية تثقل على صحة الإنسان؛ فالرطوبة المرتفعة تحد من قدرة الجسم على التعرق والتبريد الطبيعي، مما يضاعف من خطر الإجهاد الحراري وضربات الشمس، ويزيد من شعور الأفراد بالاختناق والإرهاق. كما أنها تساهم في تفاقم مشاكل مرضى الجهاز التنفسي والروماتيزم والحساسية، وتوفر بيئة مناسبة لنمو العفن والبكتيريا المسببة لمشاكل صحية جلدية وتنفسية، وبذلك تُعَدّ الرطوبة الصيفية في البحرين أحد أبرز التحديات الصحية والبيئية التي تؤثر سلبًا في راحة السكان وجودة حياتهم.

كما يجب التنويه إلى أن ارتفاع الرطوبة الصيفية ، بالرغم من قلة الأمطار، يعود لموقع البحرين الساحلي وشيوع تيارات الهواء البحري (بخاصة رياح الكوس) التي تحمل بخارًا مائيًا، مما يجعل الليل أكثر لزوجة حتى مع درجات حرارة مرتفعة ويعوق تبخر العرق بشكل فعّال . أضف إلى ذلك الضغط الجوي والندى (الطل)؛ فليست الرطوبة النسبية فقط، هو العنصر الأكثر حسمًا في شعور الإنسان بالراحة أو الانزعاج بسبب الأجواء، وإنما هذان العامان الجويان كذلك. ومن أهم المعلومات والقياسات المناخية المتعلقة بالرطوبة في مملكة البحرين، وفق ما سجلته الأرصاد الجوية في مطار البحرين الدولي بمدينة المحرق ، خاصةً خلال فصل الصيف، هي التالي:

1. متوسط الرطوبة النسبية السنوية:

في منطقة محافظة المحرّق، يبلغ متوسط الرطوبة النسبية السنوي نحو 67.1% وتتراوح شهرياً من 59% في يونيو إلى 77% في ديسمبر، ووفقاً لمصادر أخرى، يبلغ متوسط الرطوبة في البحرين عموماً حوالي 66%.

2. التباين الموسمي في مستويات الرطوبة:

أعلى الرطوبة عادةً ما يتم تسجيلها خلال أشهر الشتاء (ديسمبر – فبراير)، لكنها تبقى عالية نسبياً خلال باقي السنة أيضاً بينما أقل رطوبة نسبية تصادف في فصل الصيف، لكن حتى عندها فإن القيم تبقى مرتفعة نسبيًا؛ ففي مايو تُسجّل حوالي 61% وفي يونيو نحو 59%، ثم ترتفع تدريجياً نحو 65% في أغسطس.

3. فترات الشعور بالحر والرطوبة:

بحسب مؤشر مناخ ويذر سبارك، فإن البحرين تعيش فترة طويلة من الإحساس بالرطوبة والاختناق، وتمتد هذه الفترة من منتصف أبريل إلى أواخر نوفمبر (حوالي 7.5 أشهر)، وهي فترة ترتفع فيها درجات الندى (نقطة الطل) مما يزيد الشعور بعدم الراحة خصوصاً أثناء الأجواء الحارة.

أما في العاصمة المنامة، فتكون الفترة ذات الشعور المرتفع بالرطوبة أو أسوأ في الفترة من 16 أبريل إلى 28 نوفمبر، وتبلغ عدد الأيام التي يشعر فيها الناس بالرطوبة الشديدة 29.7 يوم في أغسطس وحده.

4. التغيرات اليومية والشهريّة:

وفقًا للبيانات المناخية السنوية لمنطقة المنامة، فإن الشهر الذي يسجّل أقصى الرطوبة هو ديسمبر (66%) فيما يكون يونيو أحد الأكثر انخفاضاً (40 إلى 52%) خلال أشهر الصيف. أما المتوسط اليومي لحالة الجو في أيٍّ منها، مثل أغسطس، فإنه يتميز برطوبة نسبية تصل إلى ما بين 50% و52%.

إن للرطوبة الجوية العالية إيجابيات (كما أشرنا الأسبوع الماضي)، وسلبيات تظهر على الإنسان والبيئة والمباني، ومن أهمها:

1. الصحة البشرية: صعوبة في التنفس خاصة لمرضى الربو والحساسية، زيادة الشعور بالإرهاق والتعب بسبب عجز الجسم عن التبريد عبر التعرق، ارتفاع خطر ضربات الشمس والإجهاد الحراري عند تزامنها مع حرارة عالية، تكاثر البكتيريا والفطريات والعفن مما يزيد أمراض الحساسية والجلد.

2. التأثير على البيئة والمباني: نمو العفن والفطريات في الجدران والأثاث مما يؤدي إلى تلفها، تآكل المعادن والصدأ بسرعة أكبر، ضعف المواد الإنشائية بمرور الوقت بسبب امتصاص الرطوبة.

3. التأثير الاقتصادي والمعيشي: استهلاك أكبر للطاقة بسبب الاعتماد على أجهزة التكييف وإزالة الرطوبة، وتلف المواد المخزنة مثل الورق، الأجهزة الإلكترونية، والأطعمة.

4. التأثير على الراحة والإنتاجية: شعور دائم باللزوجة وعدم الارتياح الجسدي، وقلة التركيز وضعف الأداء في العمل أو الدراسة.

* أستاذ الفيزياء التطبيقية بجامعة الخليج العربي