شهدت الأيام الأخيرة من الأسبوع الماضي فضيحة تهرب ضريبي في حزب العمال البريطاني الحاكم بطلتها نائب رئيس الوزراء «أنجيلا راينر» أدت إلى استقالتها فوراً؛ مما دفع رئيس الحكومة «كير ستارمر» لإعادة توزيع المناصب في حكومته في محاولة لتهدئة الغضب الشعبي الذي يطال حزبه حالياً بسبب فشله في معالجة أزمة المهاجرين. أي أن ستارمر «ضرب عصفورين بحجر» واستفاد من خروج نائب الرئيس ليعيد تشكيل فريقه، ويعطي انطباعاً بأنه جاد في مواجهة التحديات خاصة موضوع الهجرة.

إعادة توزيع المناصب، أثمر عن وصول أول شخصية مسلمة إلى منصب وزير الداخلية في تاريخ بريطانيا وهي «شابانا محمود» ذات الأصول الباكستانية، الأمر الذي يعزز من تواجد الأقلية المسلمة في المشهد السياسي البريطاني. الوزيرة «شابانا»، المحامية وخريجة جامعة أوكسفورد العريقة، لديها موقف متشدد من الهجرة، على الرغم من أصولها الآسيوية، وتدعي أن أهلها وأبناء منطقتها في بيرمنجهام، والذي يأتي غالبيتهم من أصول باكستانية وهندية اتبعوا إجراءات قانونية صارمة لدخول بريطانيا، وتريد من المهاجرين الجدد الالتزام بنفس الإجراءات وأكثر. وبالنسبة لرئيس الوزراء ستارمر، سيكون تواجد «شابانا» كرأس حربة في مواجهة أزمة المهاجرين أفضل لصورته وصورة الحزب أمام الرأي العام بدلاً من تكليف شخصية ذات بشرة بيضاء للقيام بالمهمة والتي قد تتهم بالعنصرية.

وفور صدور قرار استقالة نائب رئيس الوزراء انقض «نايجل فراج» على الحزبين التقليديين العمال والمحافظين واصفاً إياهما بالفشل ومعلناً انتهاء حقبة الحزبين اللذين تبادلا السلطة على مدى مئة عام. و«فراج» رئيس الحزب اليميني المتشدد Reform والذي يعد الناخبين بترحيل المهاجرين غير الشرعيين في مدة لا تتجاوز الأسبوعين في حال تولي حزبه رئاسة الحكومة بعد الانتخابات القادمة في 2029 هو الفائز الأكبر من الفوضى العارمة التي تشهدها السياسة في بريطانيا، فأتباعه يزدادون مع كل أزمة يمر بها أحد الحزبين ومع كل مهاجر تفشل الحكومات المتعاقبة في منعه من دخول البلاد.

ومثل كل الدول الغربية، فالقضية الأهم التي تشغل بال الناخب البريطاني اليوم هو فيضان المهاجرين الذي تعاني منه بريطانيا. وتشير الأرقام أن 180 ألف مهاجر اقتحم الساحل البريطاني عبر القوارب الصغيرة منذ عام 2018، وفي 2024 وحدها دخل البلاد عبر عدة منافذ حوالي 950 ألف شخص، مازال نصفهم متواجد في البلد ولم يخرج.تحليق منفرد

بريطانيا، وعلى الرغم من قدرتها التاريخية على استيعاب كل الأطياف والأعراق على أراضيها وممارستها سياسة الاحتواء والاندماج بشكل فعال إلا أن الأعداد المهولة التي استغلت تساهلها مع اللاجئين جعل الناس فيها يرفضون القادمين الجدد وينفرون منهم، وأصبح موضوع الهجرة «شرعية أو غير شرعية» هو الموضوع الأهم على أجندة أي رئيس حكومة وحزب فيها، وفي اعتقادي من الصعب أن تصمد أي حكومة حالية أو قادمة إلا إذا تعاملت مع هذا الملف بحزم كبير، وقد يشمل ذلك حلولاً تعتبر راديكالية بالنسبة لبريطانيا مثل تقليص سلطة القضاة في قضايا المهاجرين وتطبيق الترحيل الفوري للمخالفين لاشتراطات الإقامة.