حين تنشئ الدول مؤسسات رقابية مستقلة تُعنى بحقوق الإنسان، وتراقب أداء أجهزة إنفاذ القانون، فإنها لا تكتفي بإظهار التزام شكلي بالقانون، بل ترسّخ ممارسات يومية قائمة على المحاسبة والشفافية.
هذا ما قامت به مملكة البحرين، بإرادة سياسية واضحة، وبفكر إصلاحي وإنساني يقوده حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه، الذي وجّه بتأسيس منظومات وطنية تحفظ الحقوق وتصون الكرامة، وتؤكد أن الإنسان في مقدّمة كل الاعتبارات.
في عام 2013، صدر التوجيه الملكي بإنشاء الأمانة العامة للتظلمات، ثم تبعتها المفوضية المعنية بحقوق السجناء والمحتجزين، في خطوة غير مسبوقة إقليمياً، نقلت منظومة العدالة إلى مستوى جديد من الاستقلالية والمساءلة.
الأمانة جاءت كنموذج يُحتذى به، يستند إلى المعايير الدولية لمكاتب الـOmbudsman، وقد كُسر عبرها تضارب المصالح، إذ بات التحقيق في شكاوى الأفراد يتم من جهة مستقلة عن المؤسسات الأمنية، ما عزّز الموثوقية.حتى أبريل 2024، تلقت الأمانة أكثر من تسعة آلاف حالة، 32% منها شكاوى و68% طلبات مساعدة، ما يعكس تطور دورها من مجرد جهة تلقي شكاوى إلى قناة فاعلة للحلول والتسويات. وفي عام واحد فقط، انخفض عدد التظلمات إلى 520 حالة، وهو ما اعتُبر نتيجة مباشرة لتحسينات تشريعية ومؤسسية، أبرزها العفو الملكي السامي، وتفعيل نظام العقوبات البديلة، وتحسّن بيئة مراكز الإصلاح والتأهيل.
أما المفوضية، فقد أضافت بُعداً وقائياً ضرورياً عبر زيارات ميدانية معلنة ومفاجئة لمراكز الاحتجاز، ما وفّر منظومة رقابية متكاملة تستند إلى الاستباق والوقاية، لا الانتظار ورد الفعل فقط. التعاون بين المؤسستين شكّل ضمانة عملية لاستدامة التحسن وحماية الحقوق في مراحلها كافة.
المصداقية هنا ليست شعارات، بل إجراءات موثّقة وتقارير سنوية تُنشر بشفافية، وتوصيات تُنفّذ فعلياً. واللافت أن هذه المنظومة لا تعمل فقط على المحاسبة، بل على تحسين الخدمات الإنسانية داخل المرافق. هذا التوجّه المتكامل يعكس الرؤية الأوسع لجلالة الملك المعظم، في أن العدالة ليست فقط حماية للحقوق، بل رافعة للتنمية، وعنصر أساسي في تعزيز رأس المال البشري الوطني.
هذه المنجزات لا تنفصل عن رؤية البحرين 2030، التي جعلت من العدالة والشفافية والتنافسية ركائز أساسية. كما أن انخراط هذه المؤسسات في شراكات دولية ومهنية عزز من تبادل الخبرات وتكييف المعايير العالمية مع الخصوصية الوطنية.
اليوم، العدالة في البحرين أكثر اقتراباً من المواطن، والكرامة الإنسانية أكثر صوناً، بفضل رؤية ملكية وضعت الإنسان أولاً، وجعلت من الإصلاح نهجاً مستمراً، ومن حقوق الإنسان مسؤولية مؤسسية لا يُقبل التهاون فيها.