في فناء المدرسة، وتحت شمسٍ أنهكها القيظ؛ بدت نخلةٌ وحيدة تميل أوراقها نحو الأرض كأنها تستغيث بالسماء طلبًا لقطرة حياة. هناك بزغت فكرةٌ صغيرة من قلب معلمة؛ لتتحول إلى مشروعٍ جامعٍ يحتضن مدرسة بأكملها: معلمون وطلبة وإدارة وموظفو مرافق، كلٌّ منهم أدّى دوره في حكايةٍ صغيرة تحوّلت إلى درسٍ كبير في الحياة.

لم يكن الأمر نشاطاً عابراً يُضاف إلى جدول الحصص؛ بل رحلة تَعلُّم عميق: فريقٌ يحسب جداول الري، ويوازن بين الحاجة والموارد، وآخر يبتكر جهازًا يقيس رطوبة التربة، وثالث يكتب رسائل أمل إلى النخلة، فيما يخطّ الفنانون الصغار لوحاتٍ تذكّر بأن «قطرة اليوم.. ظلّ الغد». حتى موظف الخدمات صار قائداً ميدانياً يُعلّم الأطفال كيف تُسقى الشجرة بيدٍ حانية. وما إن مرّت أسابيع حتى تفتّح عذقٌ صغير من قلب النخلة، وكأنها تبادل أبناءها الولاء بالعطاء، فتُعلن أن الجهد المشترك يثمر حياةً قبل أن ينتج ثماراً.

إنّ المدرسة التي تُنقذ نخلةً تدرّس تاريخ المكان وهوية الإنسان، وتُعلّم الكيمياء في نكهة الماء، والرياضيات في نبض الجداول، واللغة في رسائل الأمل، والفنون في ظلالٍ تتسع للجميع. في مثل هذه المدرسة لا يقتصر التعليم على قاعةٍ وكتاب، بل يُعاش ويصنع إنساناً يُحسن النظر إلى الحياة بوعيٍ وإبداع. تعليمٌ يرى في الماء قيمة، وفي الزمن معنى، وفي القيم أساسًا، وفي التقنية وسيلةً لا غاية. في مثل هذا المناخ، يغدو كلّ معلم شعلةً تهدي، وكلّ طالب مشروع وطنٍ يُبنى.

من هنا تتجلّى الكلمة السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظّم حفظه الله ورعاه، بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد 2025-2026، والتي وجّه فيها جلالته أيده الله، إلى تكاتف الجميع لتحقيق المزيد من الإنجازات المشرّفة في الميدان التعليمي، وفق رؤية تربوية تجمع بين المناهج المتطورة والثوابت والقيم الإسلامية الراسخة، بما يعزّز الهوية الوطنية البحرينية التي نفخر بها جميعًا. دعوة جامعة وملهمة ليكون التعليم مشروع وطن وأمانة أجيال.

كما جاءت توجيهات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، بإقامة يومٍ تعريفي في كافة المدارس الحكومية لأولياء الأمور، حيث يقدّم أعضاء الهيئتين التعليمية والإدارية شرحاً عن العام الدراسي الجديد؛ لتؤكد على أن الأسرة والمدرسة جناحان لا يكتمل التحليق إلا بهما، وأن نجاح المسيرة التعليمية يبدأ من شراكةٍ صادقة تعمّق الثقة وتفتح الآفاق.

وإذ ندخل عامًا دراسياً جديداً يحمل في طيّاته ثورة في الذكاء الاصطناعي وتحوّلات تقنية متسارعة، نزداد يقينًا بأن هذه الأدوات لا تكتسب قيمتها الحقيقية إلا إذا وُجّهت ببوصلة القيم، كما يؤكده جلالة الملك المعظم أيده الله. فالذكاء مهما بلغ من اتساع لا يستطيع أن يحلّ محلّ قلب المعلّم ولا ضمير الإنسان. إن التعليم الحقّ هو ذاك الذي يمزج بين حداثة المناهج المتطورة ورسوخ القيم الثابتة، ويجمع بين حدة العقل ودفء الروح، ويُطلق الإبداع مشدوداً بجذور الهوية. إنها رؤية تُضيء الدرب للأجيال، وتغرس فيهم العلم مقرونًا بالانتماء والأصالة.

وفي هذا المشهد، تبرز الجهود الوطنية المخلصة لوزارة التربية والتعليم ممثلةً في وزير التربية والتعليم سعادة الدكتور محمد بن مبارك جمعة، وكافة العاملين في قطاع التعليم والميدان التربوي من هيئتين تعليمية وإدارية، ومن كوادر مساندة في المدارس الحكومية والخاصة، في بناء جيلٍ مسلّح بالعلم والمعرفة والمواطنة الصالحة، جيلٍ قادر على حمل راية الوطن إلى آفاق أرحب من التقدم والازدهار.

عودًا حميدًا لكلّ معلمٍ ومعلمة، ولكلّ قائدٍ تربويٍّ يضيء الطريق بصبره وإخلاصه. عوداً حميداً لأبنائنا الطلبة، صنّاع