في خطوة ريادية حظيت باهتمام عالمي واسع، عيّنت ألبانيا نظام الذكاء الاصطناعي «ديلا» كأول وزيرة ذكاء اصطناعي في العالم، وهو ما يُعد محطة تاريخية في كيفية توظيف الحكومات للتقنيات الرقمية.
تمثل «ديلا» تجربة جريئة في دمج الذكاء الاصطناعي ضمن أعلى مستويات صناعة القرار الحكومي، وابتكار أساليب جديدة لدعم الإدارة العامة من خلاله.
- التطور التقني لـ«ديلا»:
بدأ تطوير «ديلا» عبر مسار منهجي، حيث أُطلقت النسخة الأولى Diella1.0 في ديسمبر 2023 لتقديم دعم نصي للمواطنين في الحصول على الخدمات الحكومية.
تلتها النسخة الثانية Diella2.0 في يناير 2025، التي أضافت إمكانات صوتية وبصرية، وتمكنت من معالجة أكثر من مليون طلب خدمة. أما النسخة الثالثة Diella3.0، فقد عُيّنت في سبتمبر 2025 وزيرة للمشتريات العامة بمسؤوليات وزارية كاملة.
استند هذا التطور إلى البنية التحتية التي طورتها الوكالة الوطنية لمجتمع المعلومات «AKSHI» في ألبانيا، مستخدمةً نماذج اللغة الكبيرة من OpenAI عبر منصة Microsoft Azure السحابية. ويتيح النظام معالجة اللغة الطبيعية للتواصل النصي والشفهي، مع القدرة على فهم اللهجات الألبانية.
كما يظهر على هيئة شخصية افتراضية ترتدي الزي التقليدي الألباني، لعرض كيفية معالجة الذكاء الاصطناعي للبيانات الضخمة عبر الشبكات العصبية، ما يضمن قرارات متسقة مع سجلات تدقيق شاملة يمكن للبشر مراجعتها.
- النتائج العملية:
منذ إطلاقها على منصة e-Albania، أثبتت «ديلا» جدارتها من خلال معالجة 36600 وثيقة رقمية وتقديم ما يقارب 1000 خدمة لأكثر من مليون تفاعل مع المستخدمين.
وتتمثل مسؤوليتها الأساسية حالياً في الإشراف على المشتريات العامة وإدارة المناقصات، حيث ستتولى تدريجياً صلاحيات اتخاذ القرار التي كانت بيد الوزارات. ويسهم هذا التحول التدريجي في جعل الإجراءات الحكومية أكثر اتساقاً عبر معايير تقييم موحّدة، متجاوزة بذلك دور «المساعدات الذكية» التقليدية.
- البعد التشغيلي:
ستتولى «ديلا» تقييم العقود الحكومية والعطاءات وفق معايير رقمية محددة، مع انتقال القرارات تدريجياً من الوزراء البشريين إلى النظام الاصطناعي.
ورغم أن أساليب التقييم لاتزال قيد التطوير، إلا أن المسؤولين الحكوميين قادرون على متابعة أداء النظام وإجراء التعديلات اللازمة. ويُعد هذا النهج الرقمي جزءاً من استراتيجية أوسع لتحديث الخدمات الحكومية بما يتجاوز نطاق المشتريات.
البعد الدولي والتحديات: أثار هذا الابتكار الألباني اهتماماً دولياً كبيراً، حيث تتابع دول أخرى عن كثب تجربة دمج الذكاء الاصطناعي في البنى الحكومية الأساسية.
ويتمثل التحدي الأبرز في إيجاد التوازن بين التكنولوجيا الحديثة ومتطلبات الرقابة الديمقراطية، إضافة إلى معالجة مسألة المسؤولية عند اتخاذ الأنظمة الاصطناعية للقرارات الحكومية.
وتمثل هذه التجربة واحدة من أولى الاختبارات الواقعية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الحكم، بالتزامن مع سعي الدول لوضع أطر تنظيمية مثل قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي «EU AI Act».
الأثر المستقبلي
قد يشكّل تعيين «ديلا» نموذجاً تسترشد به الحكومات الأخرى في كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تقديم الخدمات العامة.
فهو يمثل خطوة بارزة نحو آفاق جديدة، ويُقدّم مثالاً عملياً قد يؤثر على الطريقة التي ستوازن بها الحكومات مستقبلاً بين اعتماد التكنولوجيا الحديثة والحفاظ على أدوات الرقابة الحكومية التقليدية.