ما لا يمكن إنكاره أن قمة الدوحة الطارئة حملت رسالة سياسية بالغة الأثر حيث شكلت صفعة مدوية لإسرائيل على المستوى الإقليمي والدولي، وأكدت أن سيادة قطر خط أحمر، وأن المساس بها كفيل بجمع القادة العرب والمسلمين في موقف موحد نادر تجلى في بيانات وخطابات شديدة اللهجة وضعت إسرائيل أمام اختبار جديد أمام العالم، ويبقى هناك سؤال هام للغاية هل إسرائيل تعاود الكّرة، وتهاجم قطر مجدداً أمام تشديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن إسرائيل لن تقوم بذلك مجددا؟
موضوع أن إسرائيل لن تعود لاستهداف قادة حماس قد يكون أمراً غير مضمون أبداً فإسرائيل دولة غدارة وواضح أنها تود تصعيد الأمور بالمنطقة ولن تتوانى لحظة واحدة عن انتهاز أي فرصة لضرب خصومها وإن كانوا على سطح القمر ودليل ذلك أن قمة الدوحة في بيانها الختامي قد أكدت إدانة أي محاولات إسرائيلية لتهجير الشعب الفلسطيني وضرورة الوقوف ضد مخططات إسرائيل لفرض أمر واقع جديد في المنطقة وإدانة السياسات الإسرائيلية التي تسببت في كارثة إنسانية غير مسبوقة في قطاع غزة إلا أنه بعد ساعات فقط من انتهاء القمة أعلن الجيش الإسرائيلي بداية العملية البرية في غزة، والتي أدت إلى وقوع مجزرة جديدة في أولى ساعات العملية أسفرت عن استشهاد 60 فلسطينياً وارتفاع أعداد المصابين أمام قيام الجيش الإسرائيلي بقصف جوي وبري عنيف ونسف مبانٍ سكنية في شمال قطاع غزة وإعلان المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل أن هناك العديد من الشهداء والمفقودين تحت الأنقاض؛ مما يعكس أن هذه العملية البرية الإسرائيلية تبين مدى التعنت والسلوك العدواني الذي تنتهجه إسرائيل في تجاهل دعوات السلام وأنها ترى أن القمة وما خرجت به أمر لا يؤثر أبداً على قراراتها وتجاوزاتها العسكرية وأنها ليست مع عملية وقف إطلاق النار والالتزام بالمواثيق والقوانين الدولية في دعم عملية السلام في المنطقة وأنه حتى ملف تبادل الأسرى والمحتجزين أمر لن تقف عنده، ولا يشكل أهمية كبرى لديها وهي تقوم بعملياتها العسكرية العدوانية وأنها لن تلتفت لأي مفاوضات أو هدنة لإنهاء القتال فإسرائيل توصل رسالة للعالم اليوم بما فيهم القادة العرب أنها لا تريد أن تكتفي بالمفاوضات مع حماس، بل تريد في الوقت ذاته الاستمرار في عدوانها العسكري في تدمير قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين وضرب كل معادلات السلام وما تقوم به يوصل رسالة أنها تسعى حتى لتخريب الجهود الدولية في دعم قيام دولة فلسطينية.
ورغم أن أمريكا متمثلة في رئيسها ترامب قد وجه انتقادات إلى إسرائيل بسبب الهجوم العسكري على الدوحة، وطالبها بتوخي الحذر مؤكداً أن قطر حليف رائع جداً إلا أن إدارة ترامب أعلنت بعد قمة الدوحة أنها تدعم العملية البرية في غزة، لكن تريد تنفيذها بسرعة وإنهاءها في أقرب وقت ممكن وهو ما يعكس مدى الازدواجية والتناقضات التي تقوم بها أمريكا في سياستها.
ما خرج به البيان الختامي لقمة الدوحة من إعلان توجيه قادة دول مجلس التعاون الخليجي مجلس الدفاع المشترك في مجلس التعاون بعقد اجتماع عاجل في الدوحة يسبقه اجتماع للجنة العسكرية العليا لتقييم الوضع الدفاعي لدول المجلس ومصادر التهديد في ضوء العدوان الإسرائيلي على قطر وتوجيه القيادة العسكرية الموحدة خلال اجتماع على هامش القمة العربية الإسلامية الطارئة في العاصمة القطرية الدوحة لاتخاذ الإجراءات التنفيذية اللازمة لتفعيل آليات الدفاع المشترك وقدرات الردع الخليجية وإعلان استعداد دول المجلس لتسخير كافة الإمكانيات لدعم دولة قطر الشقيقة وحماية أمنها واستقرارها وسيادتها ضد أي تهديدات يعكس أن هناك قراءة مستقبلية من القادة الخليجيين أن إسرائيل قد تعاود مجدداً القيام بهجمات عسكرية وأنه مع إسرائيل لا توجد أي ضمانة وأن هناك مخاطر أمنية وعسكرية قد تواجهها دول الخليج العربي في المستقبل القريب أمام عدم التزام إسرائيل بأي أعراف ومواثيق دولية.
إحساس عابر
من الملاحظ أن هناك فئات بيننا لديها تناقض قومي في المواقف فهناك من استنكر الهجوم الإسرائيلي على قطر بالصواريخ الغادرة وحصار المجاعة في غزة إلا أنهم مارسوا الصمت المطبق تماماً في استنكار صواريخ الحوثيين على جنوب السعودية وحصار الشعب اليمني الشقيق والمجاعة التي يعاني منها بسبب جماعات الحوثيين الإيرانية وقيام هذه الجماعات بتهديد أمن دول الخليج العربي؛ مما يطرح علامة استفهام هل هذه الفئات لا ترى أن ما يقوم به الحوثيون تجاه الشعب اليمني الشقيق من حصار ومجاعة وإرهاب وممارسة شتى الجرائم والانتهاكات من اختطاف وإخفاء قسري وتفجير المنازل ودور العبادة وتهجير اليمنيين من مناطقهم أمر غير مهم مثلاً؟ هل ميزان القضايا والمبادئ القومية العربية لديهم مختل مثلاً أم المسألة سياسية لا إنسانية وبعيدة عن مفاهيم الانتماء للأمة العربية؟