بدأت المشروعات التنموية التي تنفذ بواسطة المؤسسات الحكومية أو الكتل الاقتصادية أو الاجتماعية تعتمد على مقومات ودعائم الحوكمة في إصلاح النظم الإدارية والمالية والقانونية والتنظيمية لديها، لضمان سلامة الأعمال وسرعة تنفيذها، وتجنب الفساد الذي يستشري عادة عند إدارة المشروعات والذي قد يؤدي إلى نهب أموال الحكومات، وإلى تدهور المجتمعات، ويزعزع الثقة في الاقتصاديات الناشئة وكذلك المتقدمة، وأصبح مفهوم الحوكمة يمتد من الشركات والحكومات والمحليات والمستوى الوطني الأول والمستوى الدولي.
وترتكز الحوكمة الإدارية في المؤسسات الحكومية على مجموعة من المقومات والدعائم الرئيسة التالية:
- المشاركة: وتعني المشاركة المجتمعية في عملية الحوكمة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ومشاركة المؤسسات الحكومية في صناعة القرارات السليمة وتقديم الخدمات السريعة والمتقدمة. كما أن للمشاركة عدة أشكال وطرق، فقد تكون عن طريق الانتخابات للمجالس المحلية أو للمسؤولين، أو بإشراك المنظمات غير الحكومية في إدارة برنامج أو مشروع محلي.
- التوافق على المشروعات والقوانين المقترحة: وتعني توافق المؤسسات الحكومية على صيغ موحدة لآليات وإجراءات الخدمات التي تقدمها، وتوافق مجالس الإدارات والمديرين التنفيذيين على أسلوب العمل في المؤسسات الحكومية والاتفاق على الأدوات القانونية التي تحمي حقوق المؤسسات الحكومية، والإجراءات التي تحصن الأموال العامة والتوافق على الخطط والاستراتيجيات.
- تحسين الشفافية وتحقيق الوضوح: تستخدم الحوكمة كأداة تنوير واستنارة، وإلقاء الضوء على الجوانب المختلة القائمة في المؤسسات الحكومية وتحد الحوكمة من عدم الوضوح، واللبس، والعتامة، والظلمة، وكلما كانت الحوكمة قوية ، كلما كانت فعالة وكانت تحسن من درجة الشفافية، ومن درجة الوضوح، وهي متطلبات أساسية وضرورية.
- المساءلة والمحاسبة: إن الشفافية والمساءلة مفهومان مترابطان ويشكلان معًا أحد مقومات ودعائم الحوكمة الجيدة وذلك بارتباط مع مفهوم المحاسبة؛ وتعني المساءلة تحمل مسؤولية اتخاذ القرار والنتائج المترتبة عليه، وإتاحة الفرصة لاستجواب المسؤولين عن تصرفاتهم، وتأخذ المساءلة أشكالاً مختلفة، فقد تكون مجرد نقاش واستفسار عن حيثيات اتخاذ قرار ما، أو حصول نتيجة معينة لسلوك معين، لكنها قد تأخذ أشكالاً جزائية أو قانونية.
- سيادة النظام أو حكم القانون: يُعرف حكم القانون من قبل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بأنه «الحماية للنفس والممتلكات والحقوق الاقتصادية» والعقوبة المتساويتان للجميع تحت القانون.
وتقوم أنظمة الحوكمة الجيدة على مبدأ سيادة النظام، أو حكم القانون كما يسمى في الدوائر السياسية والتنموية، والذي يعتبر مهيمناً على جميع القوى في المجتمع بما فيها الحكومة. وبالإضافة إلى ذلك، يعد مبدأ سيادة النظام أو حكم القانون إطارا عاما للحماية المجتمعية من الأفعال الاستبدادية للحكومة وينظم العلاقات والمصالح الخاصة بين الأفراد والجماعات والمنظمات.
- جودة التشريعات «القوانين والأنظمة»: تعد جودة التشريعات والقوانين وشموليتها أساسا مهما في تقدم ورقي أي دولة، بالإضافة إلى دور التشريعات في تحقيق مبدأ العدالة والمساواة بين الأفراد. فكلما كانت الأنظمة ذات جودة عالية ومحدثة وفقا للتطورات الاقتصادية والاجتماعية، أدى ذلك إلى تحقيق مستويات متقدمة في مؤشرات الحوكمة الجيدة. كما أن مبدأ جودة التشريعات يشير إلى قدرة الأجهزة التشريعية والحكومة على صياغة وإقرار القوانين وتنفيذها بحيث تدعم تحقيق مبدأ العدل والمساواة بين الأفراد والمنظمات وتسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- فاعلية أداء الحكومة: ويمكن تعريف فاعلية وكفاءة أداء الحكومة على أنه الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة لتقديم خدمات ذات جودة عالية للمستفيدين من مؤسسات وأفراد، بالإضافة إلى جودة وشمولية القوانين ومدى تطبيقها والالتزام بها من قبل الحكومة. بعد استعراض مقومات ودعائم الحوكمة الجيدة في المؤسسات الحكومية ، يتضح جليا مدى الترابط بين مختلف مقومات الحوكمة، حيث إن تطبيق كل مبدأ من هذه المبادئ يُسهم بشكل مباشر في تحقيق بقية مقومات الحوكمة في المؤسسات وجودتها وتطبيقها.
* متخصص في القانون الدولي العام والعلوم السياسية