حنان الخلفان

في كل عام، يطل العيد الوطني السعودي كنبض أخضر يخترق الحدود ويعانق القلوب قبل الأعلام. لا يقتصر الفرح على أبناء المملكة وحدهم، بل يمتد صداه إلى البحرين التي ترى في هذا اليوم عيداً لها أيضاً، بحكم تاريخ طويل من الأخوّة وذاكرة مشتركة صنعتها الجغرافيا والدم والمصير الواحد. الثالث والعشرون من سبتمبر لم يعد مجرد تاريخ في روزنامة الأحداث، بل أصبح رمزاً لوحدة الصف الخليجي وتلاحم الشعوب، ومرآة تعكس صدق المحبة التي تنبض بها القلوب قبل أن تُزينها الاحتفالات الرسمية.

العلاقة بين السعودية والبحرين أكبر من حدود وخرائط، إنها قصة ممتدة من الوفاء والتكامل. من المشاريع الصحية والتعليمية إلى الاستثمارات الصناعية الكبرى، ومن المبادرات الثقافية إلى الروابط الاجتماعية، تظل هذه العلاقة أشبه بجسر من الثقة لا تهزّه الظروف ولا تغيّره التحولات. كل شراكة تُبنى، وكل مشروع يُنجز، ما هو إلا ترجمة عملية لفكرة المصير المشترك التي رسّختها عقود من الأخوة الصادقة.

وفي كل عام، تعكس البحرين هذه المشاعر بمشهد استثنائي من الاحتفاء بالعيد الوطني السعودي. تتسابق الوزارات والهيئات الرسمية، كما المدارس والجامعات والمجمعات التجارية والمطاعم، في بث روح الفرح وتنظيم فعاليات تعبّر عن عمق العلاقات. تُرفع الأعلام الخضراء في الشوارع والساحات، وتصدح الأغاني الوطنية في المجمعات والأسواق، وتُطلق العروض والأنشطة في المطاعم والمقاهي التي تواكب الأجواء، فيما تبادر الفرق الشبابية والطلابية إلى إطلاق مبادرات وطنية تفيض حباً ووفاءً، فيتوشّح المكان بألوان السعودية كما لو كانت البحرين جزءاً من الاحتفال نفسه، لا ضيفاً فيه. ونحن كبحرينيين نشعر أن العيد الوطني السعودي يتساوى في قلوبنا مع عيدنا الوطني، فهما مناسبتان تنبعان من روح واحدة وتجسدان حباً لا يعرف الحدود.

ولم تعد مظاهر الاحتفال حكراً على المؤسسات العامة أو الفعاليات الرسمية، بل امتدت إلى البيوت والعوائل البحرينية التي باتت تشارك بفرح عفوي ووجداني. تُزيَّن المنازل بالأعلام والعبارات الوطنية، وتلتقي العائلات على موائد تحتفي بالمناسبة، ويشارك الأطفال بملابس وألوان مستوحاة من العلم السعودي، لتصبح البيوت امتداداً طبيعياً لبهجة الشوارع والمجمعات. هكذا تحوّل العيد الوطني السعودي إلى حالة وجدانية يعيشها البحرينيون بكل تفاصيلها، وكأنه عيدهم الوطني تماماً.

ولا يكتمل مشهد الاحتفاء من دون الدور البارز للسفارة السعودية في المنامة، التي تنظم سنوياً احتفالات رسمية يشارك فيها كبار المسؤولين من البحرين والسعودية، وتغدو ملتقى يجمع النخب الدبلوماسية والثقافية والإعلامية. تلك المناسبة لا تقتصر على البروتوكول الرسمي فحسب، بل تعكس صورة حية عن عمق العلاقات بين القيادتين والشعبين، لتضيف بعداً دبلوماسياً يوازي البهجة الشعبية التي تعم أرجاء المملكة البحرينية.

هذا الاحتفاء ليس مجرد مشاركة بروتوكولية، بل هو تعبير صادق عن وحدة المشاعر وصدق الانتماء. فكما تفرح البحرين للسعودية في عيدها، يبادلها السعوديون فرحة مماثلة في أعيادها الوطنية، لتبقى الأخوة الخليجية لوحة حيّة مرسومة بالوفاء، يزداد بريقها في زمن التحديات.وبصراحة.. العيد الوطني السعودي يذكرنا دوماً بأننا حين نتوحد نصبح أكبر من الجغرافيا وأقوى من الظروف. هو لحظة وجدانية نُجدّد فيها العهد على أن الخليج سيظل قلباً واحداً، ينبض بالمحبة، ويصدّر للعالم رسالته بروح التعاون والإخاء، مؤكداً أن سر البقاء يكمن في وحدة الكلمة، وأن سر المستقبل يضيئه الإيمان المشترك بمصير واحد.