الجدية في شمولية تلك الشراكة بين مملكة البحرين واليابان أبرزتها صحيفة «كمانيتشي» اليابانية التي ذكرت أن الأمير سلمان أكد على أهمية التعاون في المجالات السياسية كما هي المجالات الاقتصادية والتبادل الثقافي، وتلك لفتة مهمة وتطلُّع بحريني يُعلي سقف الشراكة ويجعلها أكثر شمولاً، فلا تقتصر على التبادلات التجارية، إنما النظر في المصالح السياسية المشتركة كذلك، فهي التي تجعل الشراكة التجارية أكثر قوة وتجعل الطرفين أكثر التزاماً، هاتان عجلتان مرتبطتان ببعضهما البعض.
فمملكة البحرين من الدول الواضحة جداً في سياستها الخارجية والثابتة في مواقفها والساعية للسلم، كما هي جاهزة في بنيتها التشريعية الحافظة للحقوق وتنظيماتها الإدارية.
أما اليابان فلها ثقلها الدولي ومكانة فرضتها حضارتها وعمقها التاريخي بالإضافة إلى اقتصادها الذي يحتل المرتبة الخامسة في العالم.
معادلة بسيطة تختصر الضمان والأمان في الشراكات، كلما كنت أكثر تنوعاً في المصادر كلما كنا أكثر ضمانا وأمناً في الكفة الثانية، كلما زادت الكفة الأولى زادت معها الكفة الثانية تلقائياً.
وكلما كانت مصالحك السياسية تتفق مع مصالح شريكك التجاري كلما ضمنت تعزيزاً وقوة تلك الشراكة.
فكلما حميت نفسك من الخضوع للاحتكار وعملت على تنوع التحالفات والشراكات الاقتصادية كلما ضمنت وأمّنت نفسك أكثر وخرجت من كونك رهينة لمصدر واحد يتلاعب بك بعد احتكارك وكنت أكثر استقلالاً ولديك الخيارات المتنوعة التي تجعل مصلحتك هي من يحدد خطواتك.
هذا هو الانعكاس الأول عند البحرينيين لرحلة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله لليابان، فكلما رأينا هذه التحركات التي تزيد من شراكاتك الاستراتيجية كلما شعرنا بأننا نسير على الطريق الصحيح، إذ لم تكن تلك الزيارة لليابان زيارة لاقتناص الفرص التجارية فحسب بل هي رحلة عمل جادة تتجاوز تبادل العلاقات بالشكل التقليدي، بل تبادلها بشكل استراتيجي.
ما يزيدنا اطمئناناً ويهمنا أن نعرف جدية اليابان وجدية البحرين كطرفين في هذه الشراكة بترجمة تلك النقلة النوعية لجعل العلاقات استراتيجية أكثر منها شراكة شاملة، بمعنى أنه سيتجاوز الشراكات التجارية إلى توحيد للمواقف والرؤى والعمل على تعزيز المصالح المشتركة بين البلدين ومنها السياسية أيضاً.
لقد لمسنا الجدية من الطرفين في ما عكسته الصحف البحرينية، أما الصحف اليابانية فقد وقفت عند الاستقبال الإمبراطوري الذي أعطى زخماً لهذه الرحلة، ووقفت عند قول سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بأن العلاقات البحرينية اليابانية تقوم على شراكة وثيقة تجسّد التطلعات بين البلدين، مع إشارات بأن البحرين ترى في اليابان شريكاً مهماً في التنمية ونقل التكنولوجيا. وهذا ما أكد عليه بيان وزارة الخارجية اليابانية، والذي يُظهر أن العلاقة بين اليابان والبحرين تمتد إلى نحو مائة عام، وأن هناك رغبة مشتركة في توسيع التعاون، ليس فقط في الطاقة أو التجارة، بل أيضاً في التكنولوجيا، والأمن، والبيئة، والثقافة.
تحرّكات سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء مفتاح لفضاء أوسع على الصعيد السياسي كما هي على الصعيد التجاري، والاثنان يلتحقان ببعضهما البعض، كلما توحّدت الأهداف الاستراتيجية زادت الفرص الاستثمارية، والعكس صحيح كذلك. الرحلة مفتاح أعطاه سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء للبحرينيين كي يستخدموه للدخول إلى تلك الأسواق، بمعنى أن ذلك يتطلب تحرّكاً منهم سواء أكانوا قطاعاً تجارياً أو قطاعات خاصة تعمل في مجالات مذكرات التفاهم الخمس التي وقعتها البحرين مع اليابان في مجال الطاقة والتنمية البشرية والتحول الرقمي وبراءة الاختراع والنقل الجوي، نحن نتحدث أيضاً عن مؤسسات حكومية وشركات أو مصانع أو مؤسسات تجارية عليها أن تكون جاهزة لمتابعة هذه الرحلة المهمة باستخدام المفاتيح التي مُنحت لها لفتح الأبواب للولوج للفضاء الياباني، فلا ننتظر أن يكون الدفع حكومياً في كل مرة، ولا تنتظر الوزارات بيروقراطية التقارير، يفترض أننا ذهبنا ومشاريعنا جاهزة!
عربتان مرتبطتان، السياسة والاقتصاد، كلما زادت القواسم المشتركة بينهما كلما منحتهما فرصة أكبر للازدهار معاً.