رَسَتْ ليلاً على رصيف المحرّق سفينة حملت الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود وأسرته، وبصحبته ابنه الأمير عبدالعزيز (الملك لاحقاً)، وذلك في أعقاب نهاية الدولة السعودية الثانية. استراحوا في مسجد ابن خاطر حتى صلاة الفجر، حيث التقوا حينها بالشيخ محمد بن حسن بن خاطر آل بوعينين، الذي استضافهم في منزله، ثم اصطحبهم صباحاً إلى قصر الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، حيث نالوا حفاوة الاستقبال وكريم الضيافة. كانت تلك اللحظة دلالة على عمق جذور الروابط التاريخية التي جمعت الأسرتين الحاكمتين في السعودية والبحرين.
لم تكن هذه الصلة وليدة تلك الحادثة، بل تمتد جذورها إلى تواصل قديم بين الأسرتين عبر مراحل الدولة السعودية في طورها الأول والثاني، فقد شهدت البحرين زيارات متكررة من ملوك آل سعود، بودلت فيها هدايا رمزية عكست الاحترام المتبادل بينهم، كان من أبرزها «السيف الأجرب» الذي قُدم إلى الشيخ عيسى بن علي آل خليفة سنة 1287هـ/ 1870م، كرمز للثقة والصداقة المتوارثة، وقد أُعيد السيف للسعودية عام 1431هـ 2010م دلالةً على عمق العلاقة الأخوية بين البلدين.
في قصر الشيخ عيسى، كان للأمير عبدالعزيز محطة مهمة في مسيرته المبكرة (قبل انتقاله للكويت)، اكتسب فيه خبرات دبلوماسية مهمّة، ودروس عملية في فن الإدارة والسياسة، استفاد منها لاحقاً في مسيرته لاستعادة الرياض عام 1319هـ/ 1902م.
توالت اللقاءات بين الملك عبدالعزيز وشيوخ البحرين بعد ذلك في محطات مهمة من تاريخ المنطقة، ففي العام 1348هـ/ 1930م قام الملك عبدالعزيز بزيارة رسمية للبحرين عززت الصلات السياسية، وأظهرت متانة العلاقات التي لم يحدها البحر الضيق بينهما. ثم جاءت زيارته عام 1358هـ/ 1939م، التي حظيت باستقبال كبير، لتجسّد الروابط الأخوية التي جمعت بين البلدين على المستويين الرسمي والشعبي.
لم تقتصر العلاقات على المستوى السياسي، بل شملت جوانب اجتماعية وثقافية واقتصادية، حيث تداخلت الأسر والمصاهرات، وازدهرت التجارة عبر الموانئ، وتشارك الطرفان هموم المنطقة وتحدياتها. لقد شكّل هذا التقارب صورة من صور التكامل الطبيعي بين الشعبين، انعكس لاحقاً في تعاون وثيق داخل المنظمات الإقليمية، وصولاً إلى مجلس التعاون الخليجي في ثمانينات القرن الماضي.
جسّدت جذور الأخوّة بين السعودية والبحرين علاقة تاريخية راسخة، تتجاوز حدود السياسة إلى فضاء التاريخ والمجتمع. واليوم، تظل هذه الروابط شاهداً حياً على المشتركات بين الشعبين منذ أكثر من قرن ونصف، وتفتح لجسور الغد أبواب النماء والرخاء، ليبقى البلدان نموذج الوحدة والمصير المشترك في الخليج العربي.
* باحث في تاريخ المملكة العربية السعودية