تظل الثروة البحرية عبر العصور من أفضل الثروات الاستراتيجية المتجددة، وتسعى جميع دول العالم إلى تطويرها وزيادة إنتاجها بطرق متنوعة، سواء لتعزيز الأمن الغذائي أو لتصبح مصدراً إضافياً للدخل الوطني.
وعلى الرغم من كون مملكتنا جزيرة تحيط بها المياه من جميع الجهات، فإننا مع مرور السنوات أصبحنا نعتمد على الاستيراد لتلبية احتياجاتنا الغذائية، خاصة فيما يتعلق بالثروة السمكية. ومن هنا، أصبح تحقيق إنتاج سمكي محلي يلبّي احتياجات المملكة، هدفاً يحتاج إلى جهود مستمرة لتطوير هذا القطاع الحيوي.
ويُعزى تراجع الإنتاج السمكي إلى عدة عوامل، وليس فقط إلى الزيادة السكانية أو الصيد الجائر، فهناك دول تمتلك موارد بحرية أقل وتعداداً سكانياً أكبر لكنها تمكنت من تأمين إنتاج سمكي محلي وتصدير الفائض، ما يؤكد أهمية استثمار الإمكانات المحلية بشكل فعّال لتعزيز الأمن الغذائي السمكي.
ولتحقيق هذا الهدف، سعى عدد من المواطنين في تجربة الاستزراع السمكي في البحرين، وقد أثبتت هذه التجارب نجاحاً ملحوظاً، مما يعكس قدرة المملكة على تلبية احتياجات السوق المحلي تدريجياً، بل وتوفير إنتاج سمكي عالي الجودة يلقى إقبالاً كبيراً من التجار والمستهلكين.
ففي أحد المشاريع التي زرتها، لاحظت إنتاج أنواع مختارة من الأسماك تُباع بسرعة، ما يؤكد الإمكانيات الكبيرة للمملكة في تطوير هذا القطاع وتحقيق الاكتفاء المحلي.
ولتطوير القطاع السمكي وتعزيز قدرته على تلبية احتياجات السوق المحلي بشكل كامل، هناك عدد من المبادرات المستقبلية المقترحة، من بينها: إقامة شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص لدعم الاستثمار والتمويل، وبحرنة القطاع عبر تمكين الصيادين والتجار والوسطاء البحرينيين للاستفادة المباشرة من الفرص الاقتصادية، بالإضافة إلى تدريب وتأهيل القوى العاملة البحرينية في مجال الاستزراع والتقنيات الحديثة، وإدخال التكنولوجيا المتطورة مثل نظم المراقبة الذكية للأعلاف والمياه لتحسين الكفاءة وتقليل الهدر.
كما تشمل المبادرات توسيع الاستزراع باستخدام الشعب الاصطناعية لتعزيز بيئة نمو الأسماك وزيادة الإنتاج بشكل مستدام، والاستثمار في تربية الأحياء المائية المبتكرة مثل الزراعة البحرية العمودية واستخدام الطاقة المتجددة، واعتماد الأدوات والمعدات الصديقة للبيئة التي تحافظ على الحياة البحرية ومنع استيراد ما يخالف ذلك، بما يضمن استمرارية الثروة السمكية للأجيال القادمة.
وعلى صعيد المبادرات الرسمية، أطلقت وزارة شؤون البلديات والثروة البحرية عدة مشاريع طموحة لتحويل الاستزراع السمكي إلى صناعة رائدة تساهم في تنويع الاقتصاد الوطني وضمان الأمن الغذائي، حيث تمّ الإعلان عن الخطة الوطنية للاستزراع السمكي تماشياً مع رؤية البحرين الاقتصادية 2030 واستراتيجية الأمن الغذائي، بهدف تطوير القطاع وزيادة الإنتاج المحلي وجذب الاستثمارات وخلق فرص عمل.
وقد تمّ تخصيص منطقة شمال غرب البحرين بعد دراسات علمية دقيقة لضمان توفر الظروف البيئية المثالية لنمو الأسماك، وتجمع هذه المنطقة جميع المشاريع في موقع واحد، كما أُطلق مشروع حديقة تربية الأحياء المائية لتسهيل إقامة المشاريع الاستثمارية بسرعة.
ولم تقتصر الجهود على ذلك، فقد دشّنت الوزارة أيضاً مركز البحرين لأبحاث ودراسات الاستزراع السمكي لإجراء الأبحاث والتجارب على الأنواع ذات القيمة التجارية العالية والتي تتناسب مع بيئة الخليج، وتطوير تقنيات التكاثر الاصطناعي وإنتاج الزريعة محلياً، بما يقلل الاعتماد على الاستيراد ويضمن استدامة المشاريع.
وكانت توجيهات جلالة الملك المعظم في أكتوبر 2019 قد شدّدت على وضع مشروع استراتيجي للإنتاج الوطني للغذاء، وجاءت الرؤية الاقتصادية لتؤكد على هذا التوجيه السامي.
واليوم، ونحن على مشارف أكتوبر 2025، تظل الحاجة قائمة لتعزيز هذه الخطط والمبادرات لتحقيق نتائج ملموسة أكثر في القطاع الغذائي، وخاصة في مجال إنتاج الأسماك، لضمان الأمن الغذائي السمكي في جزيرتنا وتلبية احتياجات المواطنين بشكل مستدام.