على مدى تاريخه الطويل والموغل؛ نشأ المجتمع البحريني على عادات وقيم راسخة من التعاون والاحترام المتبادل، قيم صاغتها في كل مناحي الحياة اليومية؛ في البيوت والأسواق والدواوين، وجعلت الالتزام بالنظام سلوكاً طبيعياً وفطرياً في الإنسان البحريني قبل أن يكون نصاً مكتوباً في القانون.

لأجل ما سبق؛ فلم يكن مستغرباً أن تتصدر مملكة البحرين قائمة الدول العربية من حيث الالتزام بالقانون والنظام، بل إن المستغرب هو أن لا يكون هذا الاستحقاق، فهذا التميز ليس وليد اليوم أو أمس، بل هو امتداد لإرث اجتماعي متجذر يغوص في عمق تاريخ هذه الأرض.

في البحرين، يعرف كل فرد حدوده وواجباته، مواطنين ومقيمين، ليس بدافع الخوف من العقوبة أو القانون، بل عن قناعة بأن سيادة القانون هي الضمانة الكبرى للعدل والمساواة والأمن المجتمعي، وهي «المسطرة» التي تقاس بها أفعال الجميع بلا استثناء، لا فرق في ذلك بين مسؤول أو أي فرد من المجتمع، غني أو فقير، مواطن أو مقيم.. هذا الإدراك الجماعي يعكس نضجاً حضارياً أدركه البحرينيون باكراً، مفاده أن المجتمعات المتحضرة لا تبنى إلا على احترام روح القانون، وليس على تجاوزه أو الالتفاف حوله.

تقرير Gallup Global Safety Report 2025 ، والذي تم نشر تفاصيله في جريدة «الوطن» مؤخراً، لم يكن سوى شهادة دولية جديدة على ما يعيشه الناس في البحرين يومياً؛ إذ حققت المملكة 91 نقطة من أصل 100، لتتصدر عربياً وتجاور دولاً راسخة في مؤشرات الأمان مثل النمسا وسويسرا. هذه النتيجة ما كانت لتتحقق لولا منظومة متكاملة من قيم اجتماعية متوارثة، ومؤسسات قانونية وأمنية أثبتت كفاءتها، وثقة راسخة بين المواطن والدولة.

الأجمل أن هذا الالتزام لم يكن نتيجة عرف مؤقت أو قوانين جامدة، بل هو انعكاس لتقاليد بحرينية عريقة، حيث الكلمة كانت دائماً عهداً، وحيث المجتمع نفسه يشكل الرقيب الأول قبل أي جهاز رسمي، هذه الروح الجماعية، التي ترى أن احترام القانون هو احترام للذات وللوطن، هي ما جعل البحرين نموذجاً يحتذى في المنطقة والعالم.

ولعل أجمل ما يميز البحرين حقاً هو هذا التوازن بين الأصالة والحداثة؛ فبينما تحافظ على عاداتها وتقاليدها التي تعلي من شأن الاحترام المتبادل، فإنها في الوقت ذاته تبني مؤسسات حديثة قادرة على مواكبة التحديات الأمنية والقانونية، لذلك فإن الصدارة التي حققتها لم تأتِ فقط من مؤشر دولي، بل من واقع يومي يلمسه كل مواطن ومقيم يعيش على هذه الأرض.

اليوم، ونحن نقرأ نتائج التقرير، ندرك أن التفوق لم يكن محض صدفة، بل ثمرة مسار طويل من بناء الثقة وترسيخ سيادة القانون كهوية وطنية، أما الرهان القادم فهو الاستمرار في هذا النهج، حتى تظل البحرين عنواناً للأمن والالتزام، ومكاناً يزهو أبناؤه بانتمائهم إليه.