كلما ذُكر اسم «عبدة الشيطان» تقفز إلى الذهن صور غامضة، شموع حمراء، موسيقى صاخبة، وطقوس مخيفة في أماكن مظلمة.

والحق يقال بأن الإعلام ساهم كثيراً في تضخيم هذه الصورة، حتى أصبح مجرد سماع الاسم يثير الرعب والخيال. لكن السؤال هل نحن أمام خطر حقيقي، أم مجرد ظاهرة صغيرة أخذت أكبر من حجمها؟!

الحقيقة أن ما يسمى بعبدة الشيطان ليس تياراً واحداً؛ إذ بعض الجماعات لا تعبد الشيطان بمعناه الحرفي، بل تتعامل معه كرمز للتمرّد على القيم الدينية والاجتماعية. لكن هناك بالفعل جماعات أخرى تنغمس في طقوس غريبة قد تتضمن رموزاً دموية أو ممارسات صادمة. غير أن معظم هذه المجموعات تبقى هامشية، محدودة العدد، وأقرب إلى صرعات شبابية عابرة منها إلى «خطر داهم» يهدد المجتمعات.

لعل أبرز الأمثلة ما حدث في مصر قبل سنوات، حين ألقت الشرطة القبض على مجموعة من الشباب الذين تجمعوا في فيلا خاصة للاستماع إلى موسيقى «الميتال» وهم يرتدون ملابس سوداء، ويضعون رموزاً غريبة.

الإعلام آنذاك صوّر الأمر وكأنه «مؤامرة شيطانية»، بينما تبين لاحقاً أن معظمهم مجرد مراهقين يبحثون عن هوية مختلفة، ويجربون تمرداً على المجتمع. القصة أثارت ضجة كبيرة، لكنها أوضحت في الوقت ذاته أن ما يخيف الناس ليس حقيقة قوة هذه الجماعات، بل هشاشة بعض الشباب أمام كل ما هو غريب ومثير.

الخوف إذن لا ينبغي أن يكون من «قوة» هذه الجماعات، بل من الفراغ القيمي والفكري الذي يجعل بعض الشباب صيداً سهلاً لها. حين يشعر المراهق بالوحدة أو التهميش، قد يجد في هذه الطقوس وعداً كاذباً بالحرية والقوة، لينجرف في مسار من الانحراف السلوكي أو الفكري. وهنا يكمن الخطر الحقيقي.

كيف نواجه ذلك؟! طبعاً، ليس بالتهويل أو التخويف، ولا بمطاردة الشباب بالشبهات، بل ببناء وعي متين. نحتاج إلى تثقيف فكري وديني بأسلوب يناسب العصر، وفتح باب الحوار بدل إغلاقه، مع تقديم دعم نفسي وتربوي جاد لمن يمرون بأزمات داخلية. وحتى الإعلام عليه مسؤولية أن يتعامل مع هذه الظواهر بعقلانية، لا كمادة مثيرة للترهيب أو الإثارة.

الأهم أن ندرك، أن «عبدة الشيطان» ليسوا قوة خفية تتحكم في العالم كما يحب البعض تصويرهم، بل انعكاس لفراغ في القيم يعانيه بعض الأفراد. الحل ليس في الخوف منهم، بل في تحصين مجتمعاتنا بالعلم، والإيمان، والانفتاح المسؤول. فالمجتمع الواعي لا يخشى هذه الظواهر، بل يعرف كيف يحولها إلى مجرد فقاعات عابرة.