تلك الضَّربة العسكرية الجوية التي اخترقت سماء الأراضي القطرية، رجّت الأجواء الخليجية واهتزت لها جميع البلدان العربية، كانت هجوماً غاشماً نفذه العدوان الإسرائيلي في مطلع الشهر الحالي على الدوحة، بزعمه استهداف قيادات حركة حماس، في الوقت الذي كانت فيه قطر تسعى كوسيط شريك مع أطراف دولية في مفاوضات تبادل أسرى ووقف إطلاق النار، وبينما كان وفد من حماس يراجع اقتراحاً جديداً في ذات الشأن.
مباشرة على إثر ذلك، جاءت إدانات دولية واسعة ومطالبة باحترام سيادة قطر، وعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة، وأدان أعضاء المجلس في بيان الهجمات التي وقعت في الدوحة، وأكدوا أهمية وقف التصعيد، وشدّدوا على دعمهم لسيادة دولة قطر، وأعربوا عن أسفهم البالغ لوفاة مدنيين في الهجمات، كما أكدوا دعم أعضاء مجلس الأمن للدور الرئيس لقطر في جهود الوساطة بالمنطقة إلى جانب مصر والولايات المتحدة.
إدانات وبيانات جاءت كردود فعل دولية، لم تختلف كثيراً عن تلك التي وردت، في أعقاب الهجوم العسكري العدواني الأسبق، على دولة قطر، الذي شنّته إيران في 25 يونيو 2025، مستهدفة به قاعدة العديد الجوية، بذريعة ردّها المباشر على الهجوم الأمريكي الذي استهدف ثلاث منشآت نووية، والحرب الدائرة بينها وبين إسرائيل، في ظاهرة أصبحت متداولة، تتمثل في استباحة خوض الصراع على أراضٍ ذات سيادة وليست طرفاً فيه.
ووفق هذه الظاهرة كانت إيران قد نفّذت، منذ بضعة أسابيع ضربة جوية استهدفت قاعدة العديد الأمريكية في قطر، تماماً كما جاءت منذ بضعة أسابيع الضربة الإسرائيلية على الدوحة مستهدفة قادة حماس! وكلتا الضربتين، لا مبرر لهما، وشكّلتا عدواناً لم يكن في الحسبان لا على طاولة التفاوض ولا أجندة السلام!
بل هو تصعيد في منحنى خطير، ليس فقط من حيث العدوان والاعتداء على سيادة دولة هي طرف في حل النّزاع، واستهداف مدنيين على أراضيها، ولكن أيضاً من حيث تداعياته على اتساع وطيس النار في المنطقة، وأبعاده في إجهاض لعملية المفاوضات، ولوقف النار وإطلاق سراح المحتجزين، وكذلك الحلول السّلمِية.
كما أنّ تَكرّر هذا الانتهاك العدواني في الضربة الجوية الأولى والضربة الثانية على الأراضي القطرية، قد أظهر فعلاً تغيرات في مفهوم ومبدأ التحالفات الدولية، وأَوقد إشارة إنذار بإعادة تشكيل الاستراتيجيات الأمنية، ليس فقط لدول المنطقة ولكن لجميع الدول التي قد تُعتبر مواقفها، بشكل أو بآخر، معرقلة للمصالح الإسرائيلية وأهدافها التَّوسعية.
فقد كان صدى هذا الإنذار واضحاً ضمن التحركات الأخيرة، في أعقاب العدوان الإسرائيلي على الدوحة، من خلال انعقاد القمة العربية الإسلامية والقمة الخليجية الطارئة مؤخراً في الدوحة، الأمر الذي شكّل حدثاً مهماً يوجه رسالة، مفادها وحدة الموقف في مواجهة العدوان الإسرائيلي على قطر واستمرار الحرب في غزة.
فقد شدّد البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية الطارئة على التضامن الكامل مع قطر، وعلى مركزية القضية الفلسطينية وضرورة وقف الحرب في غزة، إلى جانب الدعوة إلى تحركات قانونية دولية لمساءلة إسرائيل، ومراجعة العلاقات الاقتصادية والسياسية معها. ورغم أن هذه البنود حملت لغة سياسية قوية، إلا أن معظمها جاء بصيغة عامة تعكس موقفاً تضامنياً أكثر من كونه التزاماً بآليات تنفيذية واضحة أو مُعلنة.
أما القمة الخليجية الطارئة التي عُقدت بالتوازي، فقد تبنّت موقفاً أكثر تركيزاً على البعد الأمني والدفاعي، حيث جرى التأكيد على أنّ أمن دول مجلس التعاون وحدة لا تتجزأ، وأن أي اعتداء على دولة عضو يُعد اعتداءً على جميع دول المجلس. وتمثّلت أبرز نتائج القمة الخليجية في توجيه مجلس الدفاع المشترك لعقد اجتماع عاجل في الدوحة، وتفعيل القيادة العسكرية الموحدة لاتخاذ إجراءات تنفيذية لتعزيز الردع الخليجي، بذلك، تضمّنت القمة الخليجية بُعداً عمَلياً في مسار الدفاع المشترك وتوحيد الموقف الأمني، مع إبقاء المجال مفتوحاً للتحرك الدبلوماسي والقانوني على المستوى الإقليمي والدولي.
إن تأثير هذه القمم في مستقبل الأمم، إزاء الواقع الراهن، يبقى مرهوناً، بمدى تقيّد الدول على تَضمين بياناتها إجراءات وآليات تنفيذ ملموسة، من شأنها أن تحافظ بها على أمنها القومي، وتتحول بها إلى قوة فِعلِيّة في العلاقات الدّولية.