أن تُحافظ مملكةُ البحرين على تصنيف «الفئة الأولى» في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية المعني بتصنيف الدول في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص للعام الثامن على التوالي؛ فذلك يعني أنّ ثمة منظومةً راسخةً تحمي الكرامة الإنسانية وتصون الحقوق، ترتكز على رؤية حكيمة أرسى دعائمَها حضرةُ صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملكُ البلاد المعظَّم، حفظه الله ورعاه، وتجلّى أثرُها بمتابعةٍ حثيثةٍ من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله. كما يؤكّد هذا الإنجاز أنّ البحرين لا تكتفي بالالتزام بالمعايير فحسب؛ بل تُطوّر أُطرًا تشريعيةً ومؤسسيةً وممارساتٍ وقائيةً وحمائيةً تتقدّم على ما هو معمولٌ به في كثيرٍ من الدول المتقدمة، كما وثّقه التقرير والذي يُعدّ المرجع الدولي السنوي الأبرز، حيث يرصد ويقيّم جهود 188 دولة، ويصنفها على ثلاث فئات، تتصدرها الفئة الأولى (TIER 1) للدول الملتزمة بمعايير حماية ضحايا الاتجار بالأشخاص، وهي الفئة التي تتبوؤها المملكة منذ عام 2018.
جوهرُ الريادة البحرينية يقوم على «منظومة» متكاملة، لا على مبادراتٍ متفرّقة. فمنذ صدور قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص رقم (1) لسنة 2008، وتطوير المنظومة العُمّالية والتفتيشية، وتعزيز مُواءَمة التشريعات مع الاتفاقيات الدولية، راكمت المملكة أدواتٍ عمليةً لحماية الفئات الأكثر عرضةً للاستغلال، وأقامت مساراتٍ واضحةً للتبليغ والتظلّم والإنصاف. فعلى المستوى المؤسسي؛ يبرز «مركزُ حماية العمالة الوافدة» الذي أُنشئ في 2015 كأولِ مركزٍ شاملٍ في الشرق الأوسط، يجمع خدماتِ الاستقبال والإيواء والمساندة القانونية، ويعمل على مدار الساعة بعدة لغات؛ وهو ما شكّل نقطةَ تحوّلٍ في ضمان وصول الضحايا والضحايا المحتملين إلى العون المتخصص سريعاً. وتدعم ذلك «منظومةُ الإحالة الوطنية» التي أطلقت في عام 2017، وهي أول منظومة من نوعها أيضاً على مستوى المنطقة، حيث توفر إطارًا لتنسيق الجهود الوطنية، وتضمن التعرف على الضحايا منذ لحظة الاشتباه وحتى إعادة إدماجهم أو إعادتهم الطوعية.
وفي بيئة العمل، أُدخِل «نظامُ حماية الأجور» الذي يُلزم بصرف الأجور عبر القنوات المصرفية المرخّصة، إلى جانب مبادرة إصدار رقم الحساب المصرفي الدولي (IBAN) لكل عاملٍ وافد؛ بما يُعزّز التتبّع، ويُقلّص النزاعات، ويرفع الشفافية المالية. كما أُسِّس صندوقٌ لدعم ضحايا الاتجار بالأشخاص، ومكتبٌ لحماية المجني عليهم والشهود، وتيسّرت إجراءات التقاضي والتظلّم الإداري مجانًا؛ ضمانًا لوصولٍ ميسّرٍ إلى العدالة. كما أطلقت المملكة «المركزَ الإقليمي للتدريب وبناء القدرات في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص» لتأهيل الصفوف الأمامية في الشرطة والقطاع الصحي والمنافذ والقضاء، وتخريج مُدرّبين وخبراء وفق معايير معتمدة.
هذا الإنجاز ثمرةُ عملٍ مشتركٍ يقوم على جهودٍ متكاملةٍ بين الجهات المعنية: وزارةُ الخارجية التي تُوثِّق الإنجاز وتُقدِّم صورة المملكة في المحافل الدولية؛ ووزارةُ الداخلية التي تُوفّر المظلّة الأمنية عبر الرصد والتفتيش وإنفاذ القانون؛ والمجلسُ الأعلى للقضاء والنيابةُ العامة ووزارةُ العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الذين يرسّخون سيادة القانون ويُسرّعون الإجراءات؛ ووزارةُ التنمية الاجتماعية التي تُعزّز الرعاية والتمكين للفئات الأولى بالرعاية؛ ووزارةُ الإعلام ومركزُ الاتصال الوطني اللذان يُوصِلان الرسائل التوعوية بلغةٍ قريبةٍ من الجميع؛ ووزارةُ العمل وهيئةُ تنظيم سوق العمل اللتان تُضبطان بيئةَ العمل وتضمنان تطبيق أفضل الممارسات. ويواكب هذا الجهدَ حضورٌ فاعلٌ لمؤسسات المجتمع المدني كشريكٍ في الوقاية والتوعية والرصد، مع تنسيقٍ دائمٍ مع البعثات الدبلوماسية والمنظمات الأممية المختصة.
إنّ ريادة البحرين في هذا الملف تعني تحمّل مسؤولياتٍ مُضاعَفة للمضيّ في نهجٍ يُوازِن بين جذب الاستثمار المسؤول وترسيخ بيئةِ عملٍ آمنةٍ وعادلةٍ وعاليةِ الإنتاجية. ومع استمرار تنفيذ الخطة الوطنية لحقوق الإنسان وتطوير أدوات الوقاية والحماية والإنصاف؛ تُثبت مملكة البحرين أنّ احترام الكرامة الإنسانية ثقافةُ دولةٍ ومجتمعٍ تستلهم قيمَها من إنسانيةٍ راسخةٍ وقيادةٍ تضع كرامةَ الإنسان في صميم التنمية.