أحالت الحكومة إلى مجلس النواب مشروع قانون جديداً لتنظيم قطاع الكهرباء والماء في مملكة البحرين، خطوة تبدو إدارية في ظاهرها، لكنها في جوهرها إعادة صياغة شاملة لقطاع حيوي يمسّ حياة المواطن اليومية ويمثل ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، فالمشروع يقضي بإلغاء هيئة الكهرباء والماء وتحويل مهامها إلى شركة وطنية، وإنشاء هيئة تنظيم مستقلة تتمتع بصلاحيات واسعة لمتابعة المشغلين وضمان استقرار الخدمات واستدامتها، مع إلغاء القانون الصادر عام 1996 وما تبعه من مراسيم، لتبدأ مرحلة جديدة تستجيب لمتطلبات العصر.
هذا التحول ينسجم مع استراتيجية البحرين الاقتصادية 2030 التي تستند إلى مبادئ التنافسية والعدالة والاستدامة، ففتح القطاع أمام شركات خاصة مرخصة للتشغيل والتطوير يمثل مدخلاً لتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، واستقطاب استثمارات وخبرات عالمية، بما يحقق معادلة دقيقة بين الخدمة العامة والجدوى الاقتصادية، التجارب الدولية تشير إلى نجاح هذه الرؤية، فالإمارات مثلاً جذبت استثمارات تجاوزت 150 مليار درهم بعد تحرير جزئي للقطاع، فيما رفعت السعودية كفاءة التوليد الكهربائي بنسبة تفوق 20% خلال خمس سنوات.
البحرين تدرك أن الطلب على الكهرباء والماء يتزايد بمعدلات قد تصل إلى 6% سنوياً، وأن استمرار النمو السكاني والاقتصادي يتطلب مرونة أعلى في إدارة القطاع، بعيداً عن البيروقراطية التقليدية، وهنا يبرز دور الهيئة التنظيمية المستقلة كضامن لاستقرار الخدمات، ورقيب على أداء الشركات، ومانع لأي ممارسات احتكارية قد تضر بالمواطن.
وبينما قد يتوجس البعض من انعكاسات هذا التحول على الأسعار أو من احتمالية الخصخصة الكاملة، فإن الضمان الحقيقي يكمن في قوة الجهة التنظيمية واستقلاليتها، بل إن هذه الخطوة من شأنها أن تفتح آفاقاً جديدة أمام المواطن، سواء من خلال تحسين جودة الخدمة، أو تعزيز الشفافية في تسعير الكهرباء والماء، أو خلق فرص عمل في مجالات التشغيل والصيانة والطاقة المتجددة، لتنعكس الإصلاحات الاقتصادية مباشرة على الحياة اليومية للأسر البحرينية.
إن مشروع القانون الجديد لا يقتصر على تعديل نصوص تشريعية أو إعادة توزيع للصلاحيات، بل هو إعلان واضح عن انتقال البحرين من مرحلة الاستهلاك المطمئن إلى مرحلة الإنتاج الواعي، ومن منطق الإدارة التقليدية إلى فلسفة الاستثمار في المستقبل، فالدولة هنا لا تسعى فقط إلى تأمين حاجات اليوم من الكهرباء والماء، بل تؤسس لبنية تحتية اقتصادية وفكرية قادرة على استيعاب متطلبات الغد، وفي هذا السياق يبقى المواطن هو الغاية والوسيلة معاً، إذ لا معنى لأي إصلاح إن لم يترجم في ضوءٍ يسطع في منزله، أو قطرة ماء تروي يومه، أو فرصة عمل تفتح الطريق أمام أبنائه، هو مشروع دولة ترى في الكهرباء والماء أكثر من خدمات أساسية، بل مدخلاً إلى تنمية مستدامة، ورؤية اقتصادية تحتفي بالحاضر وتتهيأ للمستقبل.
* إعلامية وباحثة أكاديمية