البحرين التي لا تهدأ، تجتهد من أجل التنمية والتطوير كما تصارع الموج لتبقى شامخة وسط بحر متلاطم من المتغيرات، هي الدولة الصغيرة في مساحتها، الكبيرة في إرادتها، التي لا تسمح لثغرة أن تتسلل إلى جدار أمنها واستقرارها، ولا تقبل أن تكون مجرد متفرج على مسرح الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إنها البحرين التي كل يوم تضع بصمتها في الأخبار المحلية والدولية، عبر إنجازات تتوالى ومبادرات تُسجّل ومساهمات تعكس عمق حضورها في الوعي العالمي.
فمن الاتفاقيات الاستراتيجية التي وقّعتها مؤخراً مع مصر، إلى حضورها الإنساني المتجذر الذي أكّد عليه صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله في اجتماعه الوزاري، تواصل البحرين تقديم نموذج للدولة التي تجمع بين الرؤية الواقعية والطموح البعيد، وحين يتحدث سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب، عن منظومة متكاملة للتكافل الاجتماعي، فإنما يترجم إرادة وطن بأكمله في جعل الخير والعدالة الاجتماعية جزءاً من بنية المجتمع لا مبادرات عابرة، والجمعيات الخيرية في البحرين تشهد على هذا التوجه، حيث لا يقتصر عطاؤها على الداخل فحسب، بل يمتد ليكون رسالة إنسانية عابرة للحدود.
وفي الوقت الذي تتبنى البحرين فيه دعم منظومة خليجية للبيانات، فإنها تمهد لنفسها وللمنطقة فضاءً رقمياً آمناً ومستداماً، يضعها في قلب الثورة الصناعية الرابعة، وعلى الصعيد الدولي، نجدها تتابع التزاماتها في القمة العربية الرابعة والثلاثين بجدية وفاعلية، ليس فقط كحضور بروتوكولي، بل كدولة تؤمن بدورها في إبراز الكفاءات الوطنية، وتكريمها بالأوسمة، ودفعها لتتولى مناصب قيادية في وزارات العمل والخدمة المدنية، إنها عملية بناء إنسان قبل أن تكون بناء مؤسسات.
وحين تدخل البحرين الحوارات الاستراتيجية الدولية لحل القضايا العالمية، فإنها تفعل ذلك من موقع الشريك الفاعل لا من موقع المتلقي، وهذا ما يؤهلها لتكون دائماً مستعدة للقمة الخليجية والدولية المقبلة، بمواقف رصينة وخطط مدروسة، الجهود التي لا تهدأ ليست حركة عشوائية، بل حراك مدفوع برؤية بعيدة المدى: أن تواجه الدولة كل ثغرة محتملة، وتستبق كل تحدٍّ يمكن أن يطرأ، لتظل التنمية شراعها، والتطوير ربانها، والإنسان بوصلتها.
البحرين بهذا النهج تصنع لنفسها مكانة لا تقاس بمساحتها الجغرافية، بل بقدرتها على تحويل التحديات إلى فرص، والمتغيرات إلى فرص للنمو، والمصاعب إلى معابر نحو المستقبل، إنها قصة دولة تدرك أن الاستقرار ليس حالة ساكنة، بل حركة دائمة، وأن المجد لا يُورث، بل يُنتزع بالصبر والرؤية والعمل المتواصل، البحرين التي لا تهدأ، هي البحرين التي تنهض كل يوم لتكتب سطراً جديداً في كتاب الحاضر، وتفتح صفحة أوسع في سجل المستقبل.* اعلامية وباحثة أكاديمية