بالأمس وأنا أقرأ في كتاب «الضوء الأول» الذي كتبه جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه حينما كان ولياً للعهد، كنت أحاول البحث بين السطور عن «الهدف الأعمق» الذي سعى له جلالته من وراء إصداره هذا الكتاب.
أكان الهدف توثيقاً تأريخياً للحقب الطويلة التي مرت فيها بلادنا الغالية، أم ترسيخاً للأهداف السامية التي حركت جلالته وهو في الثامنة عشرة من عمره لتأسيس قوة دفاع البحرين «مصنع الرجال وحصننا الحصين»؟!
وبين الفكرتين وجدتني أقف متمعّناً في الرسائل التي وجّهها جلالة الملك للقارئ، وأعني حينما كان يسرد فصول تاريخنا الغني ويختم بجزئية عنونها بـ«الدروس المستفادة».
هنا تتجلّى لديك الرؤية في شأن الاستشراف المستقبلي القائم على دراسة التاريخ والتعلّم منه، وتحديداً لدى القادة الذين يعملون دوماً لأجل التغيير وصنع التاريخ الحديث، وبهدف صون أوطانهم وشعوبهم.
وعليه تبرز أمامنا بشكل صريح شخصية حمد بن عيسى، كشاب تأسّس في صغره بشكل خاص وذكي، شاب رأى فيه والده الراحل الكبير «أمير القلوب» صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيّب الله ثراه، رأى فيه قائداً منذ الصغر، وصاحب إرادة وعزم وشجاعة، استثمارها الأقوى سيكون لأجل البحرين وشعبها.
وكأن جلالته يوجّه النصح، إذ قراءة التاريخ لا تكون بأسلوب «مرور الكرام» لا وبهدف «التسلية والاستمتاع والانبهار بفصول عقود زمنية مضت»، بل قراءة التاريخ لابد وأن تكون بهدف «الاستفادة من الدروس»، ويجب أن تنتهي بالتغيير للأفضل عبر التعلّم وتقييم ما حصل من نجاحات أو تراجعات.
هنا أتحدث عن «الدروس المستفادة» التي وثّقها جلالته في الكتاب بشأن حقب التاريخ، وعن «التأثير المستقبلي» الذي هدفه له بشأن ما يجب فعله في شأن التطوير والإصلاح وبناء البحرين بشكل أقوى وأفضل لتحقيق خير الناس.
في كل شيء في حياتنا، لابد وأن نتعلّم من «الدروس المستفادة»، لأي حدث، لأي موقف، لأي منعطف قد يكون صعباً ونجد أنفسنا فيه، أو نجد بلادنا تمرّ خلاله. من «يتعلّم» هو الذي سينجح في التقدّم، وهو الذي لن يثني عزمه أي شيء.
«الهوس الإداري» الذي يعتريني دوماً، وهو يأتي بدافع «الإصلاح البحت»، إذ الإدارة فن وحياة، والإدارة الصالحة هي أساس لإصلاح كل شيء، ولضمان أن تكون بلادنا بقطاعاتها ومنظوماتنا تعمل بشكل إصلاحي ونموذجي، هذا «الهوس» جعلني أدقّق في الفصول التالية التي تضمّنت رؤية جلالته حينها لقوة دفاع البحرين وللمنظومة الخليجية والتحديات التي تتقاطع مع التمنّيات والتطلّع للمستقبل، لأجد في كل مضمون وسياق «درساً إدارياً» يقدّمه لنا الملك حمد بن عيسى بشكل واضح وبأسلوب سلس ومبسّط.
حينما يتحدث الملك حمد عن «الإدارة»، هنا أقول لمن أدربهم أو أتناقشهم معهم بشأن الظواهر الإدارية، أقول لهم بأن «تعلموا من الأفضل»، لابد وأن تفكّكوا الخطاب وتبحثوا في المضامين، إذ أمامكم دروس متقدمة في الإدارة، ينقل معرفتها لكم أفضل من يعلّم الناس ما تعنيه الإدارة، وأفضل من يعمل لأجل هذا الوطن وأهله.
هذا الكتاب قراءته لازمة لكل شخص يريد أن يعرف بلده ويُدرك قيمة ترابها الذي لا يُقدّر بثمن، كتاب لابد وأن يقرأه كل من يتبوأ منصباً وتقع عليه مسؤولية إدارية بحمل الأمانة للعمل لأجل البحرين.
هو «ضوء» بالفعل مثلما سمّاه جلالة الملك، «ضوء» يُنير دروب المخلصين والأذكياء الذين يريدون «التعلّم من الأفضل»، لمن يريدون العمل «بشكل أفضل»، ولتكون بلادنا الغالية دوماً سائرة «نحو الأفضل».