ليس من السهل أن تنتزع دولة صغيرة في جغرافيتها مركز الصدارة في مضمار أمميّ تتسابق فيه أكثر من ستين دولة من مختلف القارات، ولكن البحرين – كعادتها – تثبت أنّ حجم الطموح لا يُقاس بمساحة الأرض، بل بمساحة الفكر والإرادة، إنّ تصدّر وزارة التربية والتعليم في مملكة البحرين المركز الأول عالمياً في برنامج المدارس الحاضنة للتكنولوجيا الذي تنظمه شركة مايكروسوفت العالمية، يشكل محطة مفصلية في مسار التحول الرقمي للتعليم، ويضع المملكة في صدارة المشهد الدولي في توظيف التكنولوجيا لخدمة المعرفة وصناعة المستقبل.
أن تتمكن 130 مدرسة بحرينية – من بينها 125 حكومية و5 خاصة – من انتزاع هذا التصنيف من بين 954 مدرسة تمثل 60 دولة حول العالم، هو رقم يختزل قصة نجاح متكاملة: رؤية ملكية سامية رسخت التعليم كركيزة للبناء الوطني، ودعم مباشر من القيادة الرشيدة التي جعلت من التعليم الذكي خياراً استراتيجياً، وجهود ميدانية من معلمين وإداريين ومسؤولين حملوا مشعل التطوير بإيمان وشغف، هذا التتويج لا يعني مجرد لقب أو ترتيب عالمي، بل يعكس تراكماً نوعياً في الكفاءة والجاهزية الرقمية التي باتت السمة الأبرز في مدارس المملكة.
التحليل العميق لهذا الإنجاز يكشف أن البحرين تجاوزت حدود «التحول الرقمي» إلى « التمكن الرقمي»، وهو مستوى أعلى يتطلب قدرة على إدارة أدوات التقنية بوعي وتخطيط تربوي مستدام، فالمسألة لم تعد تقتصر على إدخال الأجهزة إلى الصفوف، بل على إعادة هندسة البيئة التعليمية لتكون التكنولوجيا فيها أداة للتفكير النقدي، والإبداع، والتفاعل العالمي، إن التقدم من المركز الثالث عالمياً في عام 2024 إلى المركز الأول في عام 2025، مؤشر على نضج التجربة البحرينية وقدرتها على التطور الذاتي السريع، وهو ما يبرهن على وجود منظومة تعليمية مرنة تستجيب للتحديات ولا تكتفي بالنجاح المؤقت.
غير أنّ الحفاظ على هذا التميز العالمي يتطلب مواجهة التحدي الأكبر: الأمية الرقمية، فالتقنية، مهما بلغت من تطور، تبقى بلا قيمة إن لم يمتلكها الإنسان ويديرها بوعي، المطلوب اليوم هو مضاعفة برامج التدريب النوعي للمعلمين والطلبة على التفكير الرقمي، وتنمية ثقافة الاستخدام الآمن والمسؤول للتكنولوجيا، وتعزيز التكامل بين التعليم الأكاديمي وسوق العمل الرقمي، حتى تبقى البحرين في قلب التنافسية العالمية.
لقد وضعت البحرين بهذا الإنجاز بصمتها في خارطة التعليم الدولي، وأرسلت رسالة إلى العالم مفادها أن الرؤية حين تتجذر في مؤسسات الدولة، والقيادة حين تراهن على الإنسان، فإن التعليم يصبح بوابة الوطن إلى المستقبل، إنها ليست فقط المرتبة الأولى في مدارس مايكروسوفت، بل هي المرتبة الأولى في الوعي بأن المستقبل يُصنع اليوم... من داخل الصف البحريني.
* إعلامية وباحثة أكاديمية