د. سهير بنت سند المهندي

في صباح هادئ من أيام الصيف، وبين أزقة سوق المنامة العتيق، وبين عبق التوابل وصدى بائعين يصرخون بـ«خذي فاكهة البحرين»، يلمس المرء بساطة الحياة وعمق القيم التي تمثل نسيج المجتمع البحريني، رأيت شاباً يرتدي زياً يحمل عبارات مستفزة، فتبادلت العيون نظرات متسائلة، فيما همس كبير السن مبتسماً: « يا ولدي، البحرين صافية والناس أهلها طيبون، خذ لك من اللباقة قدوة»، هنا وفي هذا المشهد العفوي، يتجلى معنى الذوق العام: احترام الآخر وحفظ الأمن النفسي والجمالي للمكان، وكما جاء في القرآن الكريم: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، فالقول الطيب والفعل المسؤول في الفضاء العام جزء من ديننا ومن حضارتنا.

في هذا الإطار، أُحيل مؤخراً إلى لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني في مجلس النواب اقتراح قانون المحافظة على الذوق العام، ليصبح على طاولة النقاش البرلماني، في خطوة تعكس إدراك الدولة لأهمية تنظيم السلوكيات العامة بما يتوافق مع القيم والعادات البحرينية، دون أن يكون القانون قد دخل حيز التنفيذ بعد، المقترح يهدف إلى خلق بيئة عامة آمنة ومحترمة، يمنع خلالها الظهور بملابس مسيئة أو غير محتشمة، ويحظر أي قول أو فعل يضر الآخرين، أو يعرضهم للخطر، ويقنن الكتابة أو الرسم على الجدران، مع وضع غرامات مالية تصاعدية لمن يخالف القانون، بما يوازن بين الردع القانوني والوعي المجتمعي.

من تجربة واقعية، في إحدى الحدائق العامة، كتب بعض المراهقين على الجدران عبارات خارجة عن الذوق العام، فلاحظ الزوار انزعاجهم، لكن تدخل الشرطة الموجه مع التوعية البسيطة أعاد النظام بسرعة، مما يوضح أن القانون، مهما كان صارماً، يجب أن يصاحبه وعي اجتماعي وثقافي، وهنا يلتقي الماضي بالحاضر، كما في الأمثال البحرينية القديمة: « اللي ما يعرفك، ما يثمنك» و» المرء مخبوء في حيائه» ، التي تربط بين الفرد والمجتمع وتحض على مراعاة الآخرين، لتصبح جزءاً من وعي يومي لا مجرد نص قانوني.

إن المقترح ليس فقط حماية للقيم الاجتماعية، بل هو أيضاً أداة فلسفية لإرساء التوازن بين الحرية والانضباط، بين الفرد والمجتمع، كما جاء في الحديث الشريف: « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». وهو يسهم في حماية الممتلكات العامة والخاصة، ويخلق بيئة جاذبة للاستثمار والسياحة، ويعكس قدرة البحرين على مواكبة العصر الحديث دون التفريط في جوهرها الثقافي.

وبينما يظل القانون على طاولة النواب، في مرحلة النقاش والدراسة، تبرز فرصة إثرائه بمبادرات ثقافية وتوعوية، ومسابقات تعليمية للأطفال والشباب، لجعل الذوق العام ثقافة حية في الوعي المجتمعي، لا مجرد التزام قانوني،، يمكن إضافة حملات مرئية، وسيناريوهات تعليمية، وتجارب محاكاة للفضاءات العامة، لتجعل الاحترام المتبادل جزءاً من كل شارع وحديقة وسوق، بحيث يعيش الفرد قيمة القانون قبل أن يصبح نافذاً.

هكذا، يتحول اقتراح القانون من نص تنظيمي إلى رحلة اجتماعية وفكرية وفلسفية، يروي قصة البحرين: مجتمع يحترم أصالته، يوازن بين الحرية والانضباط، ويصوغ فضاء عاماً متكاملاً من الاحترام، والأمان، والجمال، والكرامة الإنسانية، في انتظار أن يتحول من اقتراح على طاولة النواب إلى واقع ملموس ينسج القيم في كل زاوية من المجتمع.