في عالم تتصاعد فيه الاضطرابات والتوترات يوماً بعد يوم، وتتغيّر المواقف تبعاً للتطورات السياسية والأمنية؛ تبرز مملكة البحرين، بقيادة جلالة الملك المعظم، كأحد الأمثلة النادرة على الثبات في المبادئ والوضوح في المواقف، حيث لا تكتفي المملكة بالتصريحات أو المواقف الموسمية، بل تبني موقفها على رؤية متجذرة في تاريخها الدبلوماسي العريق وثقافة الشعب والمجتمع المبنية على ثوابت الدين وقيم العروبة، وعلى قناعة راسخة بأن السلام ليس خياراً تكتيكياً بل هو نهج حياة.
لذلك فقد جاء تأكيد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، بشأن الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه لوقف الحرب في قطاع غزة، بعد عامين من القتل والتهجير والجوع، ليجسّد هذا النهج الأصيل في البحرين، فحين وصف جلالته هذا اليوم بأنه «يوم للسلام في الشرق الأوسط والعالم»، لم يكن ذلك مجرد عبارة دبلوماسية، بل كان تأكيداً على رؤية البحرين لعالم أكثر أمناً وعدلاً، رؤية تؤمن بحق الشعوب في الحياة والكرامة، وتدعم الجهود الرامية لوقف نزيف الدم أياً كان مكانه، ومن يكون أطرافه.
لقد كانت البحرين، ومازالت وستبقى، تؤمن بأن السلام هو الخيار الاستراتيجي الأمثل لكل شعوب الأرض، وأن التنمية والازدهار لا يمكن أن يزدهرا في ظل العنف والتطرف والإرهاب والقتل، ومن هذا الإيمان العميق، جاء دعم المملكة المستمر لكل مسعى يهدف إلى إنهاء الصراعات في المنطقة والعالم، وإعادة الأمل لشعوبها في غد يسوده الأمن والاستقرار.
كما لم يكن تأكيد جلالة الملك المعظم على شكر الولايات المتحدة الأمريكية على جهود الوساطة مجرد تصريح دبلوماسي، بل كان إقراراً بأهمية التعاون الدولي في صناعة السلام، وترسيخ مبدأ الحوار بدل الصراع، ذلك أن البحرين تؤمن بأن العالم لا يمكن أن يعيش في جزر معزولة، وأن استقرار الشرق الأوسط يعني استقرار العالم بأسره.
ومع تأكيد البحرين على أهمية التزام أطراف النزاع بتنفيذ الاتفاق وتحمل مسؤولياتهم، فإنها تواصل موقفها الثابت والداعم لحقوق الشعب العربي الفلسطيني المشروعة، في إقامة دولته المستقلة والقابلة للحياة على أرضه، وعاصمتها القدس، وفق قرارات الشرعية الدولية، وهو ما يُمثّل موقفاً ثابتاً لم يتغير رغم تبدل الظروف، ومبدأ أصيلاً لم تهزّه العواصف.
إن رسالة البحرين اليوم، كما كانت دائماً، هي أن السلام ليس ضعفاً بل قوة أخلاقية، وأن الحوار ليس تنازلاً بل شجاعة في مواجهة الكراهية، وفي هذا العالم المضطرب، يظل صوت البحرين هادئاً متزناً، لكنه قوي التأثير، لأنه ينطلق من إيمان صادق بأن الإنسانية تستحق فرصة أخرى للعيش بسلام.