جاءت الكلمة السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، في افتتاح دور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي السادس، كوثيقة وطنية ترسم معالم العمل الوطني للمرحلة المقبلة، وتجمع بين الثوابت الوطنية ومتطلبات التطور الحديث.

افتتح جلالته كلمته بالإشادة بأداء السلطة التشريعية، معتبراً إياها رافعة أساسية لمسيرة التنمية السياسية في البحرين. هذه الإشادة لم تكن مجاملة، بل انعكاس حقيقي لنضج التجربة البرلمانية وقدرتها على ترسيخ الديمقراطية التشاركية القائمة على الحوار والشراكة بين السلطات.

كما حرص جلالته في كلمته السامية على ربط حاضر الدولة البحرينية وجذورها الممتدة في تاريخ الأجداد المؤسسين، الذين بنوا نظام الحكم على مبادئ الشريعة الإسلامية، والشورى، والعدل، والإحسان. في ربط يعيد تعريف مفهوم «الهوية السياسية البحرينية» باعتبارها نتاجاً حضارياً متجذراً، يزاوج بين الأصالة والتحديث.

وقد كان تذكير جلالته بهذه الجذور هو تذكير بأن الدولة الحديثة تمثل استمراراً للتاريخ بروح متجددة، فالملكية الدستورية في البحرين تمثل ثمرة لتاريخ طويل من الشورى، والعدل الاجتماعي، واحترام الإنسان البحريني كقيمة عليا.

من أبرز ما تناولته الكلمة قرب الانتهاء من تعديل قانون تنظيم الصحافة والطباعة والنشر، تعزيزاً لحرية الرأي والتعبير، بما يدعم الإعلام الوطني المستقل كركيزة للديمقراطية ورافعة للوعي العام. كذلك شدد جلالته على إعلاء الهوية الوطنية وتعزيز الوحدة الجامعة ورفض مظاهر التعصب والولاءات الخارجية، وهو توجيه يحمي النسيج الوطني المتعدد، ويعزز مفهوم المواطنة الجامعة.

على صعيد الاقتصاد والمعرفة، ركز الخطاب الملكي على أهمية التطور العلمي والمعرفي والتمكين الاقتصادي والتنويع الصناعي والإنتاجي، مع استثمار الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة واستكشاف الفضاء، لتكون البحرين جزءاً فاعلاً في المستقبل العالمي. كما أكد جلالته أن الإنسان البحريني هو الثروة الحقيقية للوطن، والمحرك الأساسي لنهضته في كل المجالات.

على الصعيد الخارجي، أكدت الكلمة التزام البحرين الراسخ بدعم السلام العادل والشامل، وتجديد موقفها الثابت من القضية الفلسطينية، في ظل عضويتها المرتقبة في مجلس الأمن، وهذه رسالة سياسية بليغة بأن البحرين تمارس دورًا كبيرًا في الدفاع عن القيم الإنسانية والعدالة الدولية.في المحصلة، جاءت الكلمة الملكية وثيقة وطنية جامعة تجمع بين الحكمة والرؤية والإنسانية، كما أنها مثلت رسالة من قائد إلى شعبه، تدعو إلى الوحدة، والعمل، والإيمان بأن المستقبل يصنع بأيدي البحرينيين.

لقد وضع جلالة الملك المعظم، كعادته، النقاط على الحروف، محدداً ملامح المرحلة المقبلة بروح من الثقة والتفاؤل، مؤكداً أن البحرين ستبقى، كما كانت دائماً، وطناً شامخاً في قيمه، مزدهراً بإنسانه، ومضيئاً برسالته إلى العالم.