كتب – جعفر الديري: هذه الدراسة من تأليف رابعة المجالي، وهي صادرة عن دار كنوز المعرفة العملية للنشر والتوزيع. وتتكون من ثلاثة فصول: الفصل الأول يتحدث عن الحياة العلمية في العصر العباسي، حيث ناقش منهج الجاحظ العلمي في البحث والتأليف، ثم الطب عنده، مبيناً كيف كان للجاحظ السبق والريادة في ميدان علم النفس وعلم النفس الحيواني.والفصل الثاني: عالج الحياة الثقافية في ذلك العصر، فناقش نظرة الجاحظ للكتاب، مبيناً كيف كان الجاحظ أول من وضع أسس الترجمة في عصره، ثم أوضح كيف أثر الجاحظ في لغة عصره.أما الفصل الثالث: فقد خصص للحديث عن الحياة الاجتماعية، فبين كيف تحدث الجاحظ في علم الاجتماع، فوضع بعض الأسس الهامة في بناء المجتمع، رابطاً ذلك بأثر البيئة على خلق وطباع الناس، مصوراً مجتمعه في أطواره وحالاته المتباينة مظهراً إياه من خلال طبقاته وفئاته المتعددة.الحياة العلميةتؤكد الباحثة أن كتاب الحيوان لأبي عثمان عمرو بن بحر الملقب بالجاحظ والمتوفى سنة 255هـ، جدير بالاهتمام، حري بالمطالعة والدرس والتفقه والتجوال في أسفاره المتعددة، لا من قبل المثقفين حسب، بل هو حري بالاهتمام من كل من يهتم بماضي الأمة وحاضرها وبات يؤرقه مستقبلها، وكل من أراد أن يصل فرعه بجذوره فثقافة الأمة خالدة بخلود لغتها الأصلية، مبينة أن قيمة الكتاب جدّ عظيمة، والأجدر بالدارس لهذا التراث أن يكون موقناً أن العودة إليه ضرورة لا بد منها، وأنه لزام عليه أن يقف على قاعدة صلبة متجذرة في المعرفة ليستخرج كنوزها؛ عندها سيحسن ربط الماضي بالحاضر، وليصنع منه علماً مجدياً للمستقبل، وبقدر إيمان الشخص بأهمية تراثه وجدواه بقدر ما يكون ناجحاً متهيئاً لما سيأتي من زمان. فضلاً عن الأهمية الخاصة التي يمتلكها ويحوزها هذا الكتاب إذ إنه من أهم ما كتب وألف أبو عثمان، فهو خبرة سبعين عاماً مثمرة مشحونة بالطاقات والاطلاع الصادرة عن عقل مختمر، وفكر مستو، وتجارب واسعة. موسوعة عن الحيوان وتضيف المجالي: إن القارئ لهذا الكتاب أو الناظر لعنوانه (الحيوان) يخالهُ كتاباً خاصاً بالحيوان فقط، وهذا ربما يلاحظه الشخص إن كان قارئاً له للغاية العلمية، وكان يهمه أولاً علم الأحياء متخصصاً فيه، فلا ريب أنّه موسوعة تُعنى بمعالجة الحيوان في جميع ما يخصه، إلاّ أن هذا الكتاب وبالصفة التي لا نستطيع انتزاعها وخلعها عنه، فهي صفة ملتصقة به وهي صفة الشمولية الموسوعية فهو كتاب حياة بجوانبها كافة يفصح عن العصر الذي عاش فيه مؤلفهُ، كما يتحدث عمّا كان قبل هذا العصر، وهو كتاب يصلح لأن يقرأ من فئات متعددة للمعرفة والإطلاع والبحث، وهذا ليس تنظير أعشى، بل سيكون الاستشهاد عليه من نصوص الكتاب نفسه، فمحتواه ينطق بشموليته وموسوعيته فإن طالعه أديب يجد حاجته وبغيته فيه، فشعر العرب والأعراب أهم مصادر الكتاب، وكذلك كان المؤلف يستند ويرجع إلى عدد جم من الأمثال العربية. فإذا كان القارئ مفسراً فالكتاب يشتمل على تفسير لعدد كبير من آي الذكر الحكيم، وفيه عرض لآراء جماعة من المفسرين. أما عالم الاجتماع فيجد فيه التنظير الأول والقواعد والأسس الأولى والضرورية لبناء المجتمعات واستمرارها، وطرق تفاهمها مع بعضها بعضاً. أما المترجم فسيجدد فيه بذور علم الترجمة، وكيفيتها الحقة، والتي على أصول النصوص، وتضمن الفائدة المرجوة منها، وأسس تحقيق الكتب ونسخها. أما علماء العلوم التطبيقية؛ فالطبيب يجد فيه كثيراً من الوصفات العلاجية، والأدوية الضاربة في أعماق القدم والتي مازالت حاضرة ومواكبة لتطور العصر، ثم يجد فيه ما يرفضه الطب وما استنكره ورفضه المؤلف من أخطاء طبية تشيع عبر العصور، وعالم الحياة يجد شرحاً مفصلاً عن الحيوانات منذ نشأتها وتطورها، والحديث عن خصائصها وتولدها وصفاتها. وعالم النفس يجد فيه تفسيراً لكثير من السلوكيات المبررة وغير المبررة عالم الحيوان والإنسان على حد سواء، ثم هو حقل خصب غني بالتجارب الصادرة عن الخبرة الشخصية لمؤلفه، بالإضافة إلى ما توصل إليه واستعان به من خبرات وثقافة عصره، آخذاً بتجارب من سبقه علماً وزمناً. وهكذا لو بقينا نعدد محتويات الكتاب لطال بنا الحديث، إلا أن البحث سيحاول جاداً استخرج معالم الحياة من هذا الكتاب العلمي الأدبي، الحياة بشكل عام والحياة العباسية على وجه الخصوص.7 مصاحف يتألف كتاب الحيوان للجاحظ -بحسب الباحثة- من سبعة مصاحف على حد تعبير مؤلفه أو سبعة مجلدات، ومروراً سريعاً على محتواه، يتألف جزؤه الأول من مقدمة يبدو أنها كانت رداً على كل من سينتقد هذا الكتاب وهذا الجهد بعد إصداره، وبعد أن تتناقله الأيدي وتدرسه العقول، فهذه مقدمة فيها رد على هؤلاء المنتقدين لكتاب الحيوان وغيره من مؤلفات الجاحظ العديدة، فهو إضافة إلى قيمته بذاته يشكل فهرساً ضخماً لكثير من مؤلفات الجاحظ، ثم ينتقد حال الكتابة والكتاب في عصره حاثاً لهم على التميز كماً ونوعاً، مفرداً باباً يعالج فيه قضية نفسية صعبة يحكي فيه عن وضع الإنسان قبل الخصاء وبعده، ذلك النقص المتعمد الذي يوقعه بنو البشر على بعضهم بعضاً، مبيناً أن هذا الصنيع من نوع التسلط والجور والخزي، مشيراً إلى الأثر النفسي الصعب الذي يعتري هذه الفئة؛ حيث تغدو مسلوبة الإرادة عاجزة القوى. ثم يتجه للحديث عن الكلب والديك خاتماً به الجزء الأول. أما الجزء الثاني فكان تتمة وتكملة لما كان قد ختم به جزأه الأول، وهو الحديث عن الكلب والديك، ناثراً بين صفحاته صوراً وإشارات عديدة. أم الجزء الثالث فقد دار حول مجموعة من الطيور والهوام مثل الحمام، والهدهد والرخم والغراب، والذباب، والجعلان، بالإضافة إلى ما أراد المؤلف بيانه عبر هذا السياق، كحدثه عن خصائص الحرم، وصدق الفطنة، وجودة الفراسة، والمدح في الجمال وغيره.حديث عن النمل والأفاعي أما الجزء الرابع فعالج شأن الذر، والنمل، والأفاعي والقرد، والخنزير، والظليم (ذكر النعام). ثم تحدث عن النيران، متابعاً كلامه في جزئه الخامس شارحاً نظرية الكمون، وتحدث خلاله عن العرب، والنحل، والجراد، والسنور، والفأر، والعنكبوت، والضفادع، والضأن، والماعز، مدخلاً فيه باباً عن السر وآخر عن المنى.أما الجزء السادس فقد فسر فيه قصيدة (البهراني)، وقصيدتين (لبشر بن المعتمر)، وبشر أحد كبار أعمدة مذهب الجاحظ وهو مذهب الاعتزال، مبيناً ما ورد في هذه القصائد من كل ما يخص الحيوان، متحدثاً بعدها عن الضب والأرنب، مفرداً أبواباً للجن وغيره.أما الجزء السابع والأخير فقد كان معرضاً لمعرفة الجاحظ في علم النفس الحيواني، قد دار حول أساس أجناس من الحيوان، وتضمن شرحاً عن الفيل وحيوانات أخرى، مبيناً موطن الإعجاز والأعجوبة فيها، مما يؤكد موسوعية الكتاب وضخامته، فهو يحوي مادة علمية غزيرة تركزت حول الحيوان بشكل خاص حيث تناوله من زوايا عديدة، فعرض لأحواله وصفاته وطباعه وأعماله.