مازلت أذكر تلك المناقشات والحوارات والشكاوى وعبارات التذمر التي كانت تطرح في اجتماعات المزارعين مع المعنيين في المبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي قبل أكثر من عشر سنوات، حيث كان يقود تلك الاجتماعات الشيخة مرام بنت عيسى آل خليفة الأمين العام للمبادرة الوطنية، والتي كانت تهدف للتعرف على العقبات والصعوبات التي تواجه المزارعين بهدف تطوير القطاع الزراعي، وتوظيف المزارع وتنوع أنشطته الاقتصادية ليتحول ذاك المزارع البسيط لرائد أعمال ومستثمر، ولَكَم كان الكثير من المزارعين حينها يتذمرون ويرون أن تطوير الأنشطة الاقتصادية الزراعية ضرباً من المستحيل، وبعضهم كان يرى بين حصاتي الرحى، ارتفاع أسعار المواد اللازمة للزراعة من أسمدة وبذور وشتلات ومياه من جهة ،ووجود المنافس في سوق المنتوجات الزراعية، من فواكه وخضروات والتي تستورد من الدول المختلفة بأسعار مناسبة للمستهلك من جهة أخرى.

ولا زلت أذكر أن بعض من المزارعين كانوا يرون أن المزارع لم تعد وسيلة مناسبة للاستثمار، بل إن تكلفتها لاستصلاح أراضيها وزراعتها تفوق بكثير إيرادات بيع منتوجاتها، وكم كانوا يتذمرون ويشعرون بالإحباط. حتى إن بعض أصحاب المزارع باع الأراضي الزراعية، لنجدها بين ليلة وضحاها قد تحولت إلى عمارات وفلل. بكل أسف.

كما أذكر إصرار القائمين على المبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي على تطوير الوضع في ضوء توجيهات كريمة من صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة ملك البلاد المعظم رئيسة المجلس الأعلى للمرأة حفظها الله، حيث كانوا يستقطبون التقنيات الحديثة للزراعة، ويشجعون المزارعين عليها بل ويطرحون الدورات التدريبية في هذا المجال سواء زراعة الأصص، أو الزراعة المائية، وأساليب استثمار الأراضي الزراعة بعيداً عن الأسلوب التقليدي، ولا زلت أذكر تشجيع المبادرة للشباب لتدريبهم على صيانة النخلة ورعايتها، حتى ظهرت حرفة بين الشباب البحرينيين وهي حرفة «النخلاوي»، وبات أصحاب المزارع، وأصحاب الحدائق المنزلية يثقون في النخلاوي البحريني أكثر من غيره.

واليوم نرصد ثمرة تلك الجهود والمشاريع والبرامج التي تطرحها المبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي، فنجد قصص نجاح لمزارع تحولت لمشاريع استثمارية مربحة، فالبعض حول مزرعته إلى مشاريع سياحية منظمة، حيث حولت المزرعة إلى حدائق سياحية، فخصص جزء من المزرعة لحديقة حيوان، ومساحة لمناطق ألعاب للأطفال وتسالي، ومساحة للمطاعم، ومساحة مزروعة بالفواكه والخضروات ليدخلها السائحون فيستمتعون بقطف الثمار التي سيشترونها بأيديهم، والجميل في مثل هذه التجربة أن إقبال السائحين عليها كثير من مختلف دول الخليج، وتجربة إبداعية تستوقفنا وهي تشكل مخرجات البرامج التدريبية التي تقدمها المبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي، مثل: الزراعة المائية والزراعة العمودية ليزيد من إنتاج المحصول الزراعي بأقل تكلفة مما جعل الإنتاج الزراعي البحريني منافساً قوياً في الأسواق، وعزز ثقة المستهلك في المنتجات الزراعية البحرينية، وللمعارض الزراعية الموسمية والدائمة مثل سوق المزارعين، ومعرض البحرين الدولي للحدائق، ومهرجان خيرات النخلة وغيرها من الأسواق التي تطرح فرص التسويق للمزارع البحريني، ومن إبداعات المزارعين تشجيع المعاقين على الزراعة وبيع منتجاتهم الزراعية في الأسواق المخصصة للمزارعين البحرينيين، ومازالت إبداعات المزارعين مستمرة، والدعم والتشجيع والمساندة من المبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي متواصلة لتطوير القطاع الزراعي ولتنمية إبداعات المزارعين ليكونوا متألقين، ومستثمرين ناجحين.

ودمتم سالمين.