في خطوة تحول نوعية في مسار الطاقة الوطني؛ أعلنت هيئة الكهرباء والماء، على لسان رئيسها المهندس كمال بن أحمد، عن النية لإنشاء أول محطة كهرباء تعتمد الطاقة الشمسية، بقدرة إنتاجية تصل إلى 150 ميغاواط، في شراكة استراتيجية مع القطاع الخاص، مما يمثل تجسيدا لتوجهات الدولة نحو الاستدامة والحياد الكربوني بحلول عام 2060، وهو التزام يعكس وعياً متجدداً بأن مستقبل الطاقة لا يمكن أن يبنى على الوقود الأحفوري وحده.

وفي اعتقادي أن أهمية هذا المشروع تكمن في عدة أبعاد مترابطة، تشمل الناحية البيئية؛ فالمحطة من المتوقع أن توفر الكهرباء لنحو 6,300 منزل، وتقلل الانبعاثات الكربونية بأكثر من 100 ألف طن سنوياً، ضمن خطة وطنية لرفع نسبة الطاقة النظيفة إلى نحو 20 % من المزيج الكهربائي بحلول عام 2035.

أما من الناحية الاقتصادية؛ فإن خفض تكلفة إنتاج الكهرباء من مصادر متجددة سيسهم في خفض تكلفة التوليد، مما ينعكس إيجابياً على أسعار الطاقة في البلاد، ويحسن كفاءة استهلاكها.

ومن الناحية الاستثمارية فسيعزز هذا المشروع من جاذبية البحرين كموقع للاستثمارات الصناعية والتجارية التي تبحث عن بيئة طاقة فعالة ومستقرة، ويعيد توجيه الموارد الوطنية للتركيز على النمو والابتكار بدل الاعتماد التقليدي على الوقود التقليدي.

ولكن هذا الأمر ليس خالياً من التحديات؛ فالطاقة الشمسية في منطقة الخليج تواجه ارتفاع درجات الحرارة، والغبار، وضرورة التخزين أو الربط الذكي بالشبكة، لذا فإن النجاح ليس فقط في بناء وحدة إنتاج، بل في ضمان انسيابية التكامل مع البنية التحتية القائمة، وتطوير منظومة صيانة وتشغيل عالية الكفاءة، إضافة إلى أهمية وجود رؤية شاملة لتوسيع محطات الطاقة المتجددة، وتنويع المصادر لننجح بالفعل في تحقيق هدف الحياد الكربوني بشكل مستدام وليس مرحلياً.

من هذا المنطلق، أرى أن هذا المشروع يمثل خطوة جريئة نحو عصر جديد، حين تنجح المملكة في نقل الطاقة من مجرد منفذ للإنارة والتشغيل إلى عنوان للاستثمار والنمو، فإنها تنتقل إلى مصاف الدول التي تدرك أن الطاقة النظيفة ليست خياراً بيئياً فقط؛ بل قاعدة أساسية لبناء اقتصاد المستقبل.

الطريق إلى الاستدامة يتطلب أكثر من محطة كهرباء؛ يتطلب تغييراً في التفكير، وضبطاً في السياسات، وتفعيلاً للمشاركة الشعبية، سواء الشركات أو المواطن والمقيم، ومع مشروع الـ150 ميغاواط، تبدأ البحرين فصلاً جديداً في سجل طاقتها، فصلاً يكتب فيه أن التنوع والطاقة المتجددة ركيزة للوفاء الوطني، ونقطة ارتكاز لانطلاق اقتصادي متجدد، ولعل الشمس التي تنشر ضياءها فوق البحرين تصبح بداية إشعاع لفرص جديدة ولأجيال أكثر تمكيناً واستقلالاً.