مع دخول فصل الشتاء الدافئ الذي تتميز به أجواء مملكة البحرين، ينفتح أمامنا موسم لا يمثل مجرد اعتدال في الطقس، بل فرصة اقتصادية هائلة يجب اقتناصها، بعد أن أصبح قطاع السياحة، أحد أهم رهانات المملكة لتنويع مصادر الدخل، ويمثل هذا الموسم الشتوي الاختبار الحقيقي والفرصة الأكبر لترجمة الخطط إلى واقع ملموس.

ولمسنا خلال الفترة الأخيرة جهود كل من وزارة السياحة وهيئة البحرين للسياحة والمعارض بشأن الخطة الاستباقية لترويج المملكة عالمياً، عبر تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع كبريات الشركات العالمية، والنتيجة سنراها قريباً في حدثين بارزين هما «معرض الجواهر العربية» و«معرض سيتي سكيب»، اللذان لا يجذبان الزوار فحسب، بل يضعان البحرين كمركز إقليمي للمعارض المتخصصة والاستثمار.

إن قاطرة النمو السياحي هذا العام يدعمها رافدان لوجستيان في غاية الأهمية، الأول هو التوسع في الربط الجوي العالمي، متمثلاً في إطلاق طيران الخليج لخطها المباشر إلى نيويورك، وهو ليس مجرد رحلة جديدة تضاف لأجندة الناقلة الوطنية، بل هو جسر مباشر مع واحد من أكبر الأسواق العالمية، ويفتح الباب أمام سياح جدد بإنفاق أعلى.

والأمر الثاني جاء عن طريق تعزيز التكامل الإقليمي وتدشين الرحلات البحرية مع دولة قطر الشقيقة هذا الشهر، وهو ما يخلق مساحة جديدة للسياحة العائلية والترفيهية البينية، ويُتوقع أن يكون له أثر مباشر وسريع على النشاط السياحي والعقاري والاقتصادي بين البلدين.

وعلى الأرض، لم تعد السياحة في البحرين تقتصر على مساحة ضيقة في المملكة، فحجم الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية للشواطئ والجزر، مثل «حوار» والتطوير الكبير في «بلاج الجزائر»، والمنتجعات الفاخرة التي افتُتحت مؤخراً، تمنح السائح خيارات متنوعة، أضف إلى ذلك نشاط رحلات الغوص، وكل ذلك في أجواء من الأمان والاستقرار الذي بات عملة نادرة في العديد من الوجهات السياحية التقليدية.

لكن، لكي تكتمل الصورة، يجب ألا نغفل عن كنوز لم تُستغل بالكامل بعد، وفي مقدمتها «السياحة العلاجية» باعتبارها أحد أبرز القطاعات التي تحتاج إلى ترويج ورعاية، لتصبح قيمة مضافة حقيقية، ويشارك فيها القطاع الطبي البحريني المتقدم بدوره في دعم الاقتصاد الوطني.

إن الأثر الاقتصادي للسياحة أعمق بكثير من حجوزات الفنادق؛ إنه يلامس كل شريان في الاقتصاد، سواء قطاعات النقل والمواصلات، أو أسواق التجزئة والمطاعم والمقاهي، وصولاً إلى قطاعي الإنشاءات والعقارات، والأهم، أنه يساهم بشكل مباشر في توظيف الخريجين وخفض معدلات البطالة، وهو هدف وطني أسمى.

تتوافق كل هذه المعطيات مع «رؤية البحرين الاقتصادية 2030» الهادفة لتنمية قطاعات إنتاجية وخدمية جديدة، ولضمان النجاح، فنحن بحاجة اليوم إلى تكثيف الحملات الرقمية والإعلانات الدولية والإقليمية، مع إبراز مقومات البحرين الثقافية والترفيهية، وتعزيز الهوية البحرينية الأصيلة في التجربة السياحية.

الفرص كثيرة، والمقومات متوفرة، والنجاح مرهون بقدرة الجهات المعنية والقطاع الخاص على العمل معاً لتحويل هذا الموسم الشتوي إلى قصة نجاح اقتصادية جديدة، تُضاف إلى مسيرة تنويع الدخل الوطني.