* هناك من الأوفياء الحقيقيين في حياتك، الحريصين على القرب منك، والجلوس معك للاستفادة من العطاء الذي تعلمته في حياتك. فهم يحرصون على أن تبدأ ساعات يومهم بومضات تُغيّر من ذلك الروتين الذي اعتادوه، إذ تكون جلساتك معهم ذات أثر في تغيير نمط عملهم وتفكيرهم، وفي تجديد إيمانهم وأسلوب تعاطيهم مع مستجدات الحياة. هؤلاء الذين عرفوك حق المعرفة، وفهموا أسلوبك، وتعلموا من قبلك، أحبّوا أن يواصلوا بخطواتهم حتى لا يتغيّر تأثيرهم في الحياة، ولا تندثر بصماتهم المؤثرة المعتادة. هم الذين يقتنصون كل الفرص من أجل إسعادك، وردّ الجميل لك، وتبادل صور الحياة الجميلة التي ينبغي أن نعيشها من أجل حصاد الآخرة الباقية.

* ويحدثني أحد المحبين لأعمالهم عن مشاعر «الشغف» التي يتشبث بها في إطار عمله، ذلك العمل الذي يقضي فيه ما لا يقل عن سبع ساعات يومياً، خمسة أيام في الأسبوع، وربما ستة أيام أحياناً، قائلاً إن هذه اللحظات تمثل له فارقاً كبيراً في حياته، في مكان يصنع فيه أثراً إيجابياً جميلاً، ويترك من ورائه بصماتٍ لها تأثير كبير في حياة الآخرين، وفي نمط الأعمال والإجراءات، وفي أسلوب التنفيذ والمتابعة والتنسيق وقيادة فرق العم والمبادرات. وقد مضت على هذا الأسلوب فترات طويلة، حتى جاءت فترة جامدة، فقد فيها شغفه، وبات يتصارع مع أفكار تهدم بناء الإنجازات، وأضحت خطواته للعمل مجرد تحصيل حاصل يؤدي واجبه المهني فقط!! وإن سألته عن الأسباب، فهي بلا شك تعود إلى تغيّر نمط التفكير الإداري، وإلى غياب تقدير شواهد العطاء، والانشغال بالهوامش والشكليات على حساب الإنجاز الحقيقي، مع إبقاء روح الابتكار وخطوات التطوير على رفوفٍ مُعطّلة!! من المؤسف أن نرى أمامنا مثل هذه الصور التي نقتل فيها الإبداع، ونقضي على هوية التغيير المرجوة، وحينها لا نحظى بمخرجات حقيقية ولا بإنجازات فعلية يمكن أن نسعد بها.

* تُضطر أحيانًاً إلى التنازل عن بعض المثاليات التي تأمل تحقيقها في حياتك، وبخاصة تلك المرتبطة بساعات الإنجاز العملي، لسبب بسيط جداً: أن الحياة لم تعد كسابق عهدها، فسرعة الوقت وتصرّمه لا يمهلانك كثيراً لتُنهي قائمة أعمالك، فضلاً عن سعيك للحفاظ على «سلامك الداخلي» وقوّتك النفسية. وهذا ما يدعوك إلى مغادرة حياة العديد من الأفراد الذين تتعامل معهم، أولئك الذين صفعونك مراراً، وغرسوا في خاصرتك خنجر الخصومة المُبطّنة، التي في ظاهرها ضحكات نفاقٍ وقهقهاتٍ فارغة!! ولا تنسَ حجم الآمال التي كنت تحلم بها في محيطك، المرتبطة بعقول لا تزن الأمور بموازين العدالة وحُسن الإنجاز. تضطر في كل ذلك ألا تقف مكتوف اليدين، وأن تتكيّف مع تلك المعتركات، وأن تمضي في مسارٍ آخر يحقق لك الغايات التي تطمح إليها، والأثر الذي تحب أن تتركه في مساحات الحياة.

* يؤلم القلب ذلك التقصير الكبير الذي نراه في المحافظة على صلاة الفجر في المسجد جماعة وفي وقتها، فمساجدنا مازالت تُنادي من قصّر في حق ربه، واعتاد أن يصليها بمفرده في المنزل بعد شروق الشمس بصورة يومية، وهذا الاعتياد الخطير حرمه من أجورٍ عظيمة. يقول الدكتور عمر عبدالكافي: «أجمل شيء يمكن أن تحسّ به حين تصحو من النوم صباحًا في يوم جديد، هو نعمة الحياة مرة أخرى، كي يستأنف الإنسان بين استغفار وتوبة عمّا سبق، ونية صادقة لعمل الصالحات». وعن أسوأ شيء يقول:

«أن تستيقظ بعد شروق الشمس، وتجعل الله تعالى أقل الناظرين إليك، كما أن تراقب الناس وترتدي أمامهم ملابس معينة، وتتكلم كلاماً منمقاً، ولا تتقي الله تعالى في مأكل ولا مشرب ولا تعامل». صلاة الفجر التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله». نحتاج أن نُحيي في نفوسنا هذه الهمم، وأن نستشعر أهمية الصلاة، وبخاصة صلاة الفجر، التي هي مبعث الخير والنشاط والتوفيق والبركة طيلة اليوم. ومع الأسف، أصبح كثير من شبابنا اليوم غائبين عن المساجد في بكور الأيام، بينما تراهم حريصين على أن «يبصموا» في الوقت المحدد في أعمالهم! البركة الحقيقية والتوفيق والرزق والراحة والسكون، إنما تتمثل في قوة الإيمان والمحافظة على الطاعات.

* ومازلت في كل مقام، بين الحين والآخر، أعيد كتابة سطور أدعية العافية: «اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال من تحتنا». قال صلى الله عليه وسلم: «اسألوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يُعطَ بعد اليقين خيراً من العافية». إنها العافية التي بدونها لا نستطيع أن نتقدم ولو بخطوة واحدة في مسالك العطاء والإنجاز والنجاح. لذا فلنحافظ على نفوسنا وقلوبنا وصحتنا من مصائد الدنيا والبشر، ومن تلك الصفعات الكلامية والمواقف المؤذية التي قد تؤثر على نفوسنا سلباً. لنتذكر دائماً أن هناك من يحبنا وينتظر قدومنا في بيوتنا، وهم الذين سيكونون لنا سنداً في الحياة ولو بعد حين، وما سوى ذلك سينتهي بانتهاء أدوارنا في بعض الأماكن التي سنترك فيها أثرنا بلا شك، لكن أفرادها سيصفقون لنا ثم يتناسون أدوارنا، بل قد يتمنون رحيلنا سريعاً.

ومضة أمل

شكراً لمن كتبها بمشاعره وقد أثّرت كثيراً في قارئها:«خلف هذا الباب مدير كبير، قلبه كبير قبل مكتبه، يسمعنا، يدعمنا، ويجعلنا نحب عملنا أكثر. قائد بروح صديق، يعلّمنا أن القيادة ليست منصباً، بل هي أسلوب حياة».