في مشهد عالمي يتسم بتغيرات سريعة وتحديات فكرية متشابكة، تتقدم مملكة البحرين بخطوات راسخة لتعزيز وعي الناشئة، من خلال مشروع «تبيان للعناية بالسنة النبوية» الذي أطلقته وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف في جميع مراكز رعاية الأجيال المرخصة. المبادرة ليست مجرد برنامج تربوي، بل رؤية استراتيجية شاملة تهدف إلى غرس القيم الإسلامية الأصيلة في النفوس، وتحويل السنة النبوية إلى منظومة حياة متكاملة يتفاعل معها الشباب يوميًا.

المشروع يقدم خمسين حديثاً نبوياً موزعة على محاور عملية تشمل أذكار اليوم والليلة، وآداب السلوك والمعاملة، ومفاهيم المواطنة الصالحة، ما يميز «تبيان» هو الربط بين المعرفة والسلوك، حيث تتضمن كل وحدة شرحاً مبسطاً للمفردات، وربط القيم النبوية بمواقف حياتية، إضافة إلى أنشطة تطبيقية تعزز التفاعل الشخصي للطالب مع محتوى البرنامج، وبالاعتماد على الوسائل الرقمية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، يُقدّم المشروع بطريقة معاصرة تجعل التعلم أكثر جذباً وتحفيزاً للأجيال الجديدة، لتصبح التربية تجربة عملية تتجاوز التلقين النظري التقليدي.

هذه المبادرة تأتي في سياق رؤية وطنية أوسع، حيث بلغ عدد المبادرات الوطنية الموجهة لتعزيز الهوية الوطنية والقيم الدينية والأخلاقية أكثر من 150 مبادرة خلال السنوات الخمس الأخيرة. وتشمل هذه المبادرات برامج في التعليم والثقافة والرياضة والتطوع والإرشاد الديني، وقد أسهمت في رفع نسب المشاركة الشبابية في الفعاليات الوطنية إلى أكثر من 70%، بحسب الإحصاءات الرسمية، مع تحقيق مستويات رضا مرتفعة من أولياء الأمور والمربين عن أثر البرامج على أبنائهم.

وبالنسبة لصانعي الجيل والمربين، يوفر «تبيان» أدوات منهجية واضحة ودلائل عملية تساعدهم على توجيه الطلاب بصورة دقيقة، مع مراعاة الفروق الفردية، وتوظيف الأساليب الحديثة في التعليم، بما يسهم في إعداد جيل صالح قادر على الحفاظ على منجزات الوطن والمشاركة في مسيرة البناء والنمو، هذه الرؤية تؤكد أن حماية الشباب من مفاسد العصر لا تتم بالمنع والقيود فحسب، بل بالتنشئة الإيجابية والتحصين القيمي والروحي، ليصبحوا عناصر فاعلة وقادرة على التمييز بين الخير والشر، والانخراط في المجتمع بشكل متوازن ومسؤول.

نجاح هذه المبادرة يترجم رؤية الدولة في الاستثمار المستمر بالإنسان، ويجسد النهج الذي تتبعه القيادة الرشيدة والحكيمة في توجيه جهودها لصناعة جيل راسخ الهوية، قوي الشخصية، متمسك بالقيم، ومستعد لمواجهة التحديات الفكرية والسلوكية التي يشهدها العالم المعاصر، ويؤكد المشروع ما جاء في القرآن الكريم: «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»، «آل عمران: 104»، لتظل الأجيال القادمة حامية لقيمها، صانعة لمستقبلها، وقادرة على صون المنجزات الوطنية بكل وعي ومسؤولية.

إن مشروع «تبيان» يثبت أن الاستثمار في الهوية والقيم ليس رفاهية، بل ضرورة استراتيجية لضمان استقرار المجتمع، وصناعة قيادات المستقبل على أسس متينة، مع الحرص على توظيف المعارف التقليدية والوسائل الحديثة في آن واحد، لضمان أثر طويل المدى ومستدام.

* إعلامية وباحثة أكاديمية