في لحظةٍ رياضيةٍ آسيويةٍ استثنائية، أعادت مملكة البحرين تأكيد حضورها كدولةٍ صغيرة في مساحتها، كبيرة في عطائها وتأثيرها، حين استقبل حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه رؤساء الوفود المشاركة في دورة الألعاب الآسيوية للشباب في نسختها الثالثة، لم يكن اللقاء مجرد استقبال بروتوكولي بقدر ما كان إعلاناً متجدداً عن فلسفة بحرينية راسخة ترى في الرياضة جسراً حضارياً للتواصل، وميداناً لبناء الإنسان قبل الإنجاز.
ما فعلته البحرين في هذا الحدث ليس وليد صدفة، بل هو حصيلة رؤية ملكية طويلة الأمد، جعلت من الرياضة ركيزة للهوية الوطنية، ومن الشباب عنواناً لمستقبل الدولة، فأن تستضيف البحرين هذا الحدث القاري برعاية سامية وتنظيم دقيق في وقت قياسي، يعني أن الدولة امتلكت المعادلة الصعبة بين الاحتراف الإداري والروح الوطنية، وبين الرؤية القيادية والبنية التحتية التي تضاهي كبرى العواصم الرياضية في آسيا.
الإحصاءات تتحدث ببلاغة أكثر من أي بيان: أكثر من 4000 مشارك من نحو 40 دولة آسيوية، وأكثر من 30 منافسة رياضية احتضنتها منشآت بحرينية بمعايير عالمية، دون تسجيل أي خلل تنظيمي يُذكر، في وقت فشلت فيه بعض الدول الأكبر مساحة في إدارة أحداثٍ مشابهة، هذا التفوق لم يكن مجرد نجاحٍ لوجستي، بل رسالة سياسية واقتصادية بأن البحرين قادرة على تصدير نموذجها في الاستقرار والتنمية من خلال الرياضة، وأنها تستثمر في الإنسان قبل البنية.
اقتصادياً، ضخّت هذه البطولة حراكاً ملموساً في قطاعات السياحة والفندقة والنقل والخدمات، وأسهمت في تسويق البحرين كوجهةٍ آمنة ومتميزةٍ للفعاليات الكبرى، بما يعزز الناتج المحلي ويخلق فرص عمل موسمية ودائمة في آنٍ واحد، أما على المستوى الاجتماعي، فقد شكّلت البطولة لوحة إنسانية آسرة جمعت شعوباً وثقافاتٍ متعددة على أرضٍ واحدة، في مشهدٍ يختصر فلسفة البحرين في التعايش والتسامح والإنسانية.
الرياضة في البحرين لم تعد منافسةً على الميداليات فحسب، بل أصبحت وسيلةً لترسيخ القيم، وتوطيد العلاقات، وإبراز الصورة الحضارية للمملكة كدولةٍ تواكب المعايير العالمية في الأخلاق والاحترافية والروح الجماعية، وما عبّر عنه جلالة الملك المعظم من اعتزاز باستضافة هذا الحدث الآسيوي كان إيماناً بأن الرياضة هي مرآة الشعوب وميزان رقيها الأخلاقي والحضاري.
اليوم، تبدو البحرين كأنها تكتب فصلاً جديداً في كتاب الرياضة الآسيوية، فصلاً تتداخل فيه قيم الولاء بالعطاء، والإرادة بالإنجاز، والعروبة بالانفتاح، وفي كل ذلك، يظل جوهر الرسالة البحرينية واضحاً: الرياضة ليست مضماراً للفوز فقط، بل ميداناً لبناء الإنسان وتعزيز مكانة الوطن في ضمير العالم.
* إعلامية وباحثة أكاديمية