بدر علي قمبر

أثقال الحياة كثيرة، وآلامها عديدة، وهمومها لا تنقطع، ومعها تطل علينا أنفاس يوم جديد، جديد في كل أحواله، وجديد في معتقدات البشر، وآرائهم، وأساليب تعاملهم معنا، وانعكاسات محبتهم والأثر الذي تركوه في حياتنا. في كل يوم جديد نكتشف الجديد، وندرك أننا بحاجة ماسة لتصحيح المسار، وتخفيف الضغوط، وإزالة عثرات النفس، والبقاء على جادة الطريق، والعهد الذي رسمناه بأن نكون صالحين في ذواتنا، نعيش لله تعالى وحده، ونترك ما سوى ذلك من الشواهد المملة، ونضع حدوداً واضحة للعلاقات المسمومة أو تلك التي اكتشفنا أنها لم تعد كما كانت، لأننا خرجنا من إطار مساحة التعامل اليومي، وأصبحت مجرد ذكريات على الهامش، تلاشى أثرها مع الزمن.

* يقول الإمام حسن البصري: «يا ابن آدم إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك». أعظم ثروة يمتلكها الإنسان هي وقته، فالحرص كل الحرص على أن يكون للوقت قيمة وأثر وحسن استثمار في حياة مسيرتنا، لنحرص على ترك بصمتنا وأثرنا في كل مكان تطأه أقدامنا، نصفي نياتنا، ونجعل كل أعمالنا خالصة لوجه الله الكريم، ونصدق مع الله تعالى في كل مساعينا، ونكون كالشامة بين الناس، فلا يهمنا إرضاء البشر، ولا ترتبط أسماؤنا بأماكن معينة، بل ترتبط بالأثر الذي نتركه، والذي سيقال بعد زمن طويل: «كان هنا وترك أجمل الأثر».

* أعمارنا سريعة، وأوقاتنا تمر كمر السحاب، ونفقد من نفقد من الأحباب والأصدقاء في غمضة عين، وهي رسائل ربانية بأن نحارب سموم الغفلة ووساوس الشيطان، ونتجنب التعلق بالدنيا ومتاعها، ونتجه للتعلق بالآخرة، وأن نكون أدوات خير في كل ميدان. نسعى لتجميل أوقاتنا بالخير، ونزين ساعة الرحيل، حتى نرتحل في كل وقت إلى الخير، ونستعد للرحيل الجميل بأجمل خاتمة، بعد عمر مديد في طاعة الرحمن.

* يا صاحبي العزيز، لا تقف عند كل شاردة وواردة لتتفحص علاماتها، وتأول كل ما يمر أمامك تأويل الظنون السلبية، فأنت حينها تثقل قلبك بالهموم، وتثقل قلبك بتتبع العثرات، فلا تثق حينها في نفسك، ولا فيمن حولك، بل وتعتقد أن كل من يعمل معك هم في دائرة «الاتهام»، فلا تثق إلا ببعض العقول التي أحببت أسلوبها القريب من قلبك. نحتاج أن نترفع عن كل ذلك، ونتغير تغيراً يلزم لنا الخير، ويطور من نظرتنا للحياة. نسعد باللحظة، وبالأحباب الأوفياء، وبالأهل القريبين، وبلحظات العطاء والأثر التي لا تُنسى، وبأوقات الطاعة والعبادة والتبتل بين يدي الرحمن الرحيم.

* نحتاج أن نتصدى لترك المعارك الخاسرة، التي نخسر فيها نفسيتنا وصحتنا قبل كل شيء، فهي معارك يجب أن نركل أثقالها إلى هاوية النسيان الأبدي. نحتاج لأن نقول: «لا» للعديد من الأمور، وأن نبتعد عن تلك المحطات السيئة المليئة بالظنون، وبالعتاب، وبالتأنيب، وبالكلمات السوقية غير اللائقة. نبتعد عن تلك الشخصيات التي تتفنن في التجريح والتقليل من قيمة الآخرين، فمثل هذه الشخصيات لا يستحقون أن نعطيهم وقتًا من حياتنا.

* أشتاق إلى يوم الجمعة، هذا اليوم الساكن الجميل، المليء بالخير والأجور، يوم العيد الأسبوعي، الذي يجب أن نستثمره أفضل استثمار. يوم التأمل ومراجعة النفس ودروس الحياة، والتفكر في الحياة وفصولها وأحوالها. يوم هادئ يعطيك طاقة كبيرة لأيام أخرى من حياتك إن كانت أنفاس الحياة باقية، ويدفعك لمزيد من الهمة والبذل والعطاء. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة». يوم قراءة سورة الكهف، والصدقة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن في الجمعة لساعة، لا يُوافقها مسلم يسأل الله فيها خيراً، إلا أعطاه إياه، قال: وهي ساعة خفيفة».

* الحياة جميلة بأناس يقدرون عطاءك وإنتاجك، ويعتبرونك مساعداً مؤثراً في حياتهم. جميلة عندما يجلس أحدهم أمامك ويستمع لترانيم مشاعرك وأحاسيسك، وأنت تتحدث عن كل ما يجول في خاطرك، وعن أثرك وخبراتك الناضجة التي تعلمت منها في سنوات خلت. جميلة بتجديد حياتك المتواصل، بجلسة عائلية مريحة، ورحلة مع الأصحاب، وسفرة تجدد فيها إيمانك أو نشاطك. جميلة بجلسة قرآنية تعلم فيها غيرك قراءة كتاب الله تعالى، وتحفظه حفظاً جديدا،ص أو تراجع حفظاً سابقاً. جميلة بأذكار الصباح والمساء، وبتسبيحات تذكر فيها ربك: «ألا بذكر الله تطمئن القلوب». جميلة بإسعاد أهلك ومُحبيك بهدية جميلة، وبكلمة طيبة، وابتسامة صادقة، وبإطراء للجمال الأخلاقي، وبضحكات لمواقف قد خلت ببهجتها. جميلة بطيبة قلوبنا، وإحساسنا المرهف، وحبنا الصادق للمخلصين الأوفياء، وبتلك الأماكن المليئة بالذكريات الجميلة، وببيوتنا الآمنة، عندما نغير بين الحين والآخر من أثاثها لنستمتع في ظلال الدنيا الوارفة.

ومضة أمليقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: «كل ما مضى من العمر يُدرسنا درساً جديداً، ولكن العاقل هو من يحفظ دروسه ولا يكرر أخطاءه». وقال أيضاً: «احذر أن تستهين بعمل صغير من الخير، فكم من كلمة طيبة غيّرت حياة إنسان، وكم من بسمة أنقذت قلباً يائساً».