هناك أوقات في السنة تشعر فيها بأن البحرين تستيقظ على نغمة مختلفة، الجو يبدأ في الاعتدال منذراً بموسم شتوي لطيف، الشوارع تبدو أخف وفي الواقع هي ذات الشوارع، ولكن النفسية تبدأ بالنظر بشكل مختلف مع دخول الشتاء، الوجوه أكثر استعداداً للابتسام، والمجتمع يتهيأ للموسم الأجمل خلال العام، نحن الآن أمام بداية موسم الفعاليات والمهرجانات والمعارض، ويأتي ذلك متزامناً مع المناسبات الوطنية والشتوية التي اعتاد الناس انتظارها كل عام، هذه الفترة عبارة عن مساحة تعيد فيها المدن تعريف حضورها، وتمنح الناس نافذة يتنفسون منها بعد رتابة الأيام، وصعوب الصيف وإرهاقه.
البحرين بلد صغير من حيث الجغرافيا وعدد السكان، وهذا ما يمنحها سحر القرب الاجتماعي، لكنه يضع أمام الجهات المنظمة للفعاليات مسؤولية دقيقة تتعلق بالتوقيت والتنسيق، لأن تنظيم مهرجانين أو أكثر في الوقت ذاته، وبالفكرة نفسها أو الجمهور نفسه، يعني أن أحدهما سيحظى بفرصة الظهور، بينما الآخر سيخفت صوته ويضيع بين الزحام، الجمهور واحد تقريباً، والقدرة الاستيعابية محدودة، والمسافات قصيرة، لذا لا يمكن التعامل مع الفعاليات وكأنها جزر منفصلة، أو في محافظات تبعد مئات الأميال.
هناك تجارب ناجحة لا تُنسى، وحفرت لنفسها مكاناً في ذاكرة الناس، مثل المهرجانات العائلية ومعارض الأنشطة الموسمية، هذه الفعاليات أثبتت أن الاستثمار في الترفيه والثقافة والسياحة يُعيد تكوين الحركة الاجتماعية في البلد بشكل جميل، ويخلق حراكاً اقتصادياً لافتاً للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، فالسوق المحلي يعتمد في أحد جوانبه على المناسبات الموسمية التي تُنعش البيع والتسويق والتعاون بين الجهات، وهنا تظهر قيمة الفعاليات كحدث موسمي يدعم حركة الاقتصاد ويرفدها.
مع ذلك، كان هناك في السنوات السابقة أمر يتكرر على ألسنة الكثير من أصحاب المشاريع المحلية، فبعض الفعاليات الكبيرة تُعلن فجأة دون فتح باب المشاركة لهم، يجدون الحدث جاهزاً، والمساحات محجوزة، والقوائم مكتملة، وكأنهم خارج المشهد تماماً، وهذا الشعور يترك أثراً سلبياً، ليس على المستوى الاقتصادي فقط، وإنما على مستوى الثقة، وذلك حين يشعر صاحب المشروع أو الفنان أو الحرفي بأنه غير مرئي، يبدأ السؤال: لماذا؟ ومن يختار؟ وكيف يمكن الوصول إلى الفرص؟ هنا تبدأ التفسيرات، والهمسات، والظنون بأن المنفّذ للفعالية يختار دائرة محددة من حوله، وهذا أمر يجب أن ينتهي.
نحن اليوم في مرحلة مختلفة، الوعي المجتمعي أكبر، والقطاع الخاص حاضر بقوة، والمواهب الشابة تتزايد، وهناك رغبة واضحة لدى الناس للمشاركة لا للمشاهدة فقط، لذلك فإن تنظيم الفعاليات لا يحتاج إلى جهد إضافي في الأفكار بقدر ما يحتاج إلى نظام واضح في إدارة المشاركة، كإعلان مبكر للفعاليات، أو منصة ثابتة تقدم من خلالها الطلبات، وتوضح فيها معايير الاختيار، كذلك وضع جدول زمني مفصّل يُتاح للجميع، وهذه الخطوات تضمن أن الجميع يعرف متى وأين وكيف، دون مفاجآت، ودون شعور بأن الفرص موزعة وفق علاقات شخصية.
نحن أمام موسم يحمل رمزية خاصة للبحرين، موسم تتقاطع فيه الفعاليات الوطنية مع ذاكرة الجماعة وروح المكان، وهذه الفترة تمنح المدن صوتاً واضحاً، وتُعيد رسم العلاقة بين الناس وأحيائهم وساحاتهم العامة، ولكي يظهر هذا المشهد متماسكاً ومؤثراً، لابد من إدارة ذكية للوقت والتوزيع، تضمن حضور كل فعالية دون أن تطغى على الأخرى، وتفتح المجال للمشاريع المحلية للمشاركة بوضوح وعدالة، وهكذا فقط تتحول الفعاليات من مجرد احتفال موسمي إلى حركة سياحية واقتصادية تستمر آثارها طوال العام.