إضافة نوعية جديدة تسجلها البحرين في سجل إنجازاتها المتجددة، فكرة بحرينية رائدة تحققت بتعاون جميل مع الشقيقة قطر، لتشكل علامة مضيئة في مسيرة التكامل الخليجي.

مشروع الربط البحري للركاب بين البحرين وقطر، فكرة ذكية وملهمة تستحضر تاريخنا المشترك كدول خليجية عريقة، ارتبطت جذورها بالبحر، ذلك البحر الذي كان شريان الحياة، وطريق التجارة، ومصدر الرزق، ووسيلة التواصل بين الشعوب قبل أن تُمد الجسور أو تُشق الطرق الحديثة.

جاءت المبادرة لتُعيد لذاكرتنا ذلك الإرث العريق، حين كانت الرحلات البحرية تربط المنامة بالدوحة كما تربط القلوب قبل الموانئ، وتؤكد أن البحرين وقطر، بما تمتلكانه من تاريخ بحري مجيد، قادرتان على أن تجعلا من البحر جسراً جديداً للوحدة والازدهار.

اليوم، وبينما يترقب الناس بلهفة مشروع جسر البحرين وقطر الذي سيشكّل رابطاً برياً بين الأشقاء، جاءت فكرة «الربط البحري» لتسبق الحدث وتخلق أجواءً مماثلة تعزز التواصل، وتسهّل التنقل، وتستفيد من الحلول الذكية التي اختصرت المسافات وقرّبت المسافات أكثر من أي وقت مضى.

تشرّفنا بأن نكون ضمن الرحلة الأولى الرسمية لتدشين هذا المسار التاريخي، وكانت تجربة مميزة بكل تفاصيلها، بدءاً من الدعوة الكريمة من معالي وزير المواصلات والاتصالات الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة، الرجل الوطني المجتهد الذي قدّم لنا صورة واقعية عن مدى الطموح الذي يقف خلف هذا المشروع، مروراً باللقاء الجميل مع الشباب البحرينيين القياديين في شركة «مسار»، الذين قدّموا نموذجاً مُلهِماً لجيلٍ واعٍ يؤمن بالفكرة ويحولها إلى واقعٍ مشرّف.

اطّلعنا على تفاصيل الخطط المستقبلية لتوسيع عدد الرحلات وفتح مسارات جديدة تربط مملكتنا الغالية بأشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجي، وكل ذلك بروحٍ بحرينية خلاقة تستحق الإعجاب. وما شهدناه من حفاوة وترحيب من الأشقاء في دولة قطر الشقيقة كان لافتاً ومؤثراً؛ لمسنا عمق المحبة والحرص على نجاح المشروع من خلال الاستقبال المتميز في ميناء الرويس، والإعداد المتقن لتوفير تجربة انتقال مريحة وآمنة للمسافرين. هذا التفاعل يعكس بصدق أن الإرادة حين تمتزج بالابتكار والتحدي، فإن النجاح يصبح نتيجة حتمية.

ما تحقق في هذه البداية يحمل في طياته الكثير من الفخر. فالمشروع يُدار بعقول بحرينية شابة أثبتت كفاءتها في تحويل الرؤية إلى واقع، ووضعت البحرين في مقدمة دول الخليج التي تستثمر في النقل البحري الحديث بطريقة ذكية ومستدامة. ونتطلّع اليوم للمراحل القادمة من المشروع، ابتداءً من زيادة عدد الرحلات اليومية، وصولاً إلى مرحلة الربط بسيارات الركاب التي ستفتح آفاقاً أوسع لحركة التنقل والتبادل التجاري والسياحي بين البلدين.

هذه خطوة إيجابية تستحق الإشادة والثناء، لأنها ليست مجرد رحلة بحرية، بل تجربة وطنية تُظهر أن البحرين قادرة على صناعة الفارق حين تتكامل الأفكار مع الجهود. ومن «مسار» نتعلم أن النجاح الحقيقي يبدأ بفكرة، ويكتمل حين تُترجم إلى إنجازٍ يربط القلوب قبل المدن.

فشكراً لكل من أسهم في هذا العمل المشرّف، الذي سيبقى علامة مضيئة في مسار التعاون الخليجي المشترك.