يُعتبر شهر نوفمبر في البحرين شهراً مثالياً من الناحية المناخية، حيث ينتقل الطقس من الحرارة الشديدة إلى الاعتدال، مما يجعل له تأثيرات إيجابية وسلبية محتملة على الصحة.

ففي نوفمبر تبدأ درجات الحرارة في الانخفاض لتكون معتدلة ومريحة، حيث تتراوح بين 20 و30 درجة مئوية، كما تنخفض نسبة الرطوبة بشكل ملحوظ مقارنة بالأشهر الصيفية، مما يخفف من الشعور بالثقل والاختناق، وساعات الشمس لاتزال ساطعة ولكن حرارتها ليست لافحة، أما الرياح فقد تهب بعض الرياح الخفيفة إلى المعتدلة.

وقد تظهر عدّة مشاكل صحيّة مرتبطة بالطقس في هذا الشهر، وهي مشاكل يجب الانتباه إليها، خصوصاً تلك الناتجة من الجسيمات الدقيقة والغبار والرطوبة خلال شهر نوفمبر، وهي فترة انتقالية بين الصيف والشتاء (الانتقال الموسمي)، ومن أبرزها التالي:

أولاً: تغيّر درجة الحرارة في الليل:

في نوفمبر تبدأ درجات الحرارة النهارية في الانخفاض نسبياً مقارنة بصيف الخليج العربي، لكن قد تبقى الحرارة نهاراً معتدلة أو مرتفعة مع رطوبة متبقية، أما في الليل قد يكون أبرد بشكل مفاجئ، وهذا التغيّر يُسبّب إجهاداً للجسم، وقد يؤثر على الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة، وكبار السن، أو الذين يعانون أمراضاً مزمنة. ومن المحتمل أن يكون هناك تزايد في أمراض الجهاز التنفسي (نزلات البرد والالتهابات) عند الانتقال بين حرارة عالية نهاراً وبرودة نسبية ليلاً.

ثانياً: قلة جودة الهواء بسبب العواصف الترابية والغبار:

تتأثر منطقة الخليج العربي برياح الشمال الغربي (الشّـمـالي) أحياناً، ومن ثم باندفاع الغبار والتراب خاصة في فترات الانتقال الموسمي، وعلى الرغم من أن الذروة الكبرى للعواصف الترابية في الخليج غالباً ما تكون في أواخر الربيع أو أوائل الصيف إلا أن إمكانية حدوثها في نوفمبر ليست مستبعدة، خصوصاً إذا ترافقت بظروف جوية مناسبة (جفاف ورياح نشطة).

إن التعرض للغبار يمكن أن يزيد من مشكلات الربو، والحساسية، وأمراض الجهاز التنفسي، ويؤثر أيضاً على القلب والأوعية الدموية؛ ففي الدراسة العالمية المنشورة في مجلة لانست مؤخراً بعنوان «العواصف الرملية والترابية: تهديد صحي عالمي متزايد يتطلب دراسات صحية دولية لدعم العمل السياسي» فإن التعرّض القصير الأمد للعواصف الترابية يزيد معدل الوفيات والإصابة بالأمراض التنفسيّة والقلبية؛ فقد أشارت الدراسة أن العواصف الرملية والترابية تُهدد بشكل متزايد البيئة العالمية والصحة العامة؛ فحتى الآن (2025) تتأثر 150 دولة بشكل مباشر، ويُصنف أكثر من 100 منها كمناطق خالية من الغبار، ومع تغير المناخ، من المتوقع أن تزداد وتيرة هذه العواصف وشدتها.

ثالثاً: الرطوبة والهواء الداخلي غير الصحيّ:

مع برودة الليل نسبياً ومع بقاء الرطوبة النسبية بأكثر من 60% فإنه من الممكن أن تؤدي إلى تكاثر العفن والفطريات في الأماكن المغلقة، وهذا يمكن أحياناً ملاحظته بوضوح على شكل نقاط سوداء أو خضراء أو تكتلات من عناقيد العفن على الأبواب والمناطق المظلمة والرطبة التي لا تصلها الشمس والهواء، ولكن للأسف بعضها لا يمكن رؤيته خصوصاً في قنوات مرور الهواء في المكيفات المركزية؛ الأمر الذي يزيد من الحساسية والربو، لذا ففي البيوت أو المؤسسات التي تُغلق التهوية بسبب برودة الليل، قد تتفاقم هذه المشكلة.

رابعاً: العبء على الجهاز القلبي الوعائي:

وفق دراسة باحثي جامعة الخليج العربي بعنوان «ارتفاع درجات الحرارة وآثارها المحتملة على صحة الإنسان في مملكة البحرين: دعوة للتحرك»، تم التأكيد على ارتفاع درجات الحرارة وآثارها الصحية -انظر العمود قبل أسبوعين- فإنه على المدى البعيد، ومع ارتفاع متوسط درجة الحرارة في دول الخليج إلى حوالي 4 درجات مئوية (أو إلى أكثر من ذلك في بعض الدراسات) في عام 2050، فإن ارتفاع الحرارة هذا سيمتد إلى نوفمبر، وسيكون مرتبطاً بزيادة مُعدّلات أمراض القلب في البحرين. بينما سنشهد في نوفمبر انخفاضاً في الحرارة النهارية، إلا أن التغيّرات الحرارية (وخاصة إذا كانت مفاجئة) قد تضع ضغطاً إضافياً على القلب والأوعية الدموية، خاصة لدى المصابين بضغط أو أمراض قلبية.

خامسا: النشاط الخارجي والرياضة في أجواء متغيّرة:

يميل الناس إلى الخروج أكثر في نوفمبر لانخفاض الحرارة والرطوبة نسبياً، لكن إذا لم يأخذ الشخص اعتباره لتغيّر حرارة الليل أو تراكم الغبار أو الرطوبة الليلية، فقد يعرض نفسه لخطر، مثل التعرّض المباشر للرياح الباردة بعد نهار دافئ، أو ممارسة الرياضة في أوقات الرياح والغبار؛ فعندما نقول «معتدل الحرارة» لا يعني الخلو من أية مخاطر.

سادساً: انتشار الفيروسات المسببة للبرد والإنفلونزا:

مع بداية فصل الخريف والشتاء عالمياً، يزداد نشاط فيروسات الجهاز التنفسي. قد يزيد التجمع في الأماكن المغلقة مع برودة المساء من فرص انتقال هذه الفيروسات.

سابعاً: الحساسية الموسمية:

قد يعاني بعض الأشخاص من حساسية تجاه حبوب اللقاح من النباتات التي تنتشر في هذا الوقت من العام، أو من الغبار الذي قد تحمله الرياح.

ثامناّ: التعرض لأشعة الشمس:

على الرغم من اعتدال الحرارة، فإن أشعة الشمس لاتزال قوية. التعرض المباشر لفترات طويلة دون حماية يمكن أن يؤدي إلى حروق جلدية، خاصة مع انعكاس أشعة الشمس من على مياه البحر.

تاسعاً: التقلبات المفاجئة في الطقس:

قد تحدث تغيرات سريعة في الطقس، مثل هبوب رياح أقوى أو عواصف ترابية مفاجئة، مما قد يثير مشاكل للأشخاص المصابين بالربو أو حساسية العيون.

ماذا نفعل عملياً في نوفمبر؟

1. متابعة تنبيهات جودة الهواء والرياح والغبار، وتقليل النشاط الخارجي في الأيام التي تزداد فيها الجسيمات الدقيقة «PM» وذلك باستخدام كمامة خفيفة لمرضى الربو أو الحساسية.

2. تطعيم الإنفلونزا قبل الذروة الشتوية، وهو مهم لكبار السن، والحوامل، ومرضى الأمراض المزمنة، والعاملين الصحيين، وهذا التطعيم توفره حكومة مملكة البحرين مجاناً لمواطنيها في كافة المراكز الطبية.

3. تهوية المنازل وتنظيف مرشحات المكيّفات للحد من العفن أو المواد المُهيِّجة.

4. التغذية المتوازنة إذ يجب تناول الأطعمة الغنية بفيتامين (ج) والمعززة للمناعة مثل الحمضيات والفلفل، وتناول الأطعمة التي تحتوي على فيتامين (د) مثل الأسماك والبيض.

* أستاذ الفيزياء التطبيقية - جامعة الخليج العربي